يوسف نجم الدين ورحلة عائد الى فلسطينً

4 يوليو 2023آخر تحديث :
يوسف نجم الدين ورحلة عائد الى فلسطينً

بشار القيشاوي

بوخارست – رومانيا

يوسف نجم الدين ولد في مدينة أريحا الفلسطينية لأسرة تعود أصولها إلى مدينة اللد المحتلة، وبعد ذلك انتقل إلى بلدة بيتونيا التابعة لمحافظة رام الله والبيرة. وأثناء عمله هناك لصالح منظمة غير حكومية، تعرف على زوجته الفرنسية، التي جاءت مع فريق عمل فيلم وثائقي حول هذه المنظمة غير الحكومية. لاحقاً تزوجا وقررا الانتقال إلى فرنسا، لأن الأوضاع هناك كانت أفضل مقارنة بالأوضاع في فلسطين. وخاصة بالنسبة له، كمواطن فلسطيني مقيد الحركة بسبب الاحتلال. فانتقل إلى فرنسا، حيث عاش لمدة أربعة عشر عاماً، وحصل على الجنسية الفرنسية. في البداية أقاما في باريس، ثم في نيس، وفي النهاية انتقلا إلى الريف الفرنسي. وخلال الوقت رزقا بأربعة أطفال، ثلاثة أبناء، وبنت واحدة.

قبل عامين، قرر يوسف نجم الدين ترك فرنسا، البلد الذي عاش فيه لأكثر من أربعة عشر عاماً، والعودة إلى فلسطين، وطنه الأم ومسقط رأسه. القرار الذي اتخذه يوسف قد يبدو للوهلة الأولى شيئاً طبيعياً، حتى وإن كانت الأوضاع الأمنية غير مستقرة في فلسطين بسبب الاحتلال الإسرائيلي. ولكن الغريب هنا ليس القرار بحد ذاته، بل الكيفية التي اختارها للعودة إلى أرض الوطن…    

كان يفكر بالعودة مشياً على قدميه، لكنه الآن ليس لوحدة، بل لديه أسرة مكونة من زوجته الفرنسية وأطفاله الأربعة، أصغرهم كان عمره لا يزيد عن ستة أشهر عندما انطلق في رحلته… لذلك، بدأ بتجهيز عربة لتقله مع أسرته، وقرر شراء حمار لجر العربة (الحنطور – كما تسمى في فلسطين وبعض الدول العربية)، ولكنه لم يعثر سوى على أتان (وهي أنثى الحمار) … وعندما انتهى من تجهيز العربة بكل ما قد تحتاج أسرته انطلق في رحلته من فرنسا عابراً أوروبا من غربها إلى شرقها…

خلال رحلته التقي بكثير من الناس، وكانوا يخبرونه بأنه يسير في الاتجاه الخاطئ أو حتى المعاكس. فأغلب الناس يهاجرون من الشرق باتجاه الغرب، ومن الجنوب باتجاه الشمال، فكان يبتسم ويقول: “نعم، أعلم ذلك! ولكن رحلتي لها دافع آخر، فأنا وضعت بوصلتي باتجاه العودة إلى وطني!”  

“تركت الغرب بكل حضارته، لأنه فقد انسانيته” –  يقول يوسف. “لا أريد أن يتعلم أطفالي في مدارس تسلب منهم براءة طفولتهم، وتشوه صورة ثقافتهم. لذلك قررت أن أغادر فرنسا قبل أن يكبر أطفالي ويتشبعوا بأفكار لا تتناسب مع قيم مجتمعنا العربي” – أضاف يوسف.

يوسف اختار هذه الطريقة للتنقل بسبب عدم وجود حدود برية بين دول الاتحاد الأوروبي. من بين الدروس التي يريد أن يعلمها يوسف لأطفاله، المعنى الحقيقي للحرية، وخاصة حرية التنقل التي كان يعاني منها قبل حصوله على الجنسية الفرنسية. ولكن الدرس الأكبر يبقى الإنتماء إلى الوطن والعودة إلى الجذور، خاصة أنهم لم يعيشوا في فلسطين.

يحب يوسف أن يطلق على نفسه لقب “العائد” بدلاً من “الرحالة”، لتسريح فكرة العودة إلى أرض الوطن في أذهان أطفاله. وعلى العربة وضع علم فلسطين، وكتب عليه باللغة العربية: “انهض! قاوم!” وترجم هاتين الكلمتين بلغة كل بلد مر به بمساعدة مواطني هذه البلدان، لأنه صاحب رسالة، يريد أن يخبر العالم “بصمت” أنه فلسطيني، وأن الفلسطينيين هم الشعب الوحيد في العالم الذي لا يعيش في وطن كباقي الشعوب، لأن وطنهم مسلوب، ولكنهم يحملون وطنهم في وجدانهم وفي قلوبهم أينما كانوا، وحيثما حلوا أو ارتحلوا، والأهم من كل ذلك أنهم عائدون إلى وطنهم، لا محالة، مهما طال الزمن، أو ابتعدت المسافة!

.بمجرد سماعنا بدخول يوسف الحدود الرومانية قبل شهر، حاولنا تقصي خبره وتقفي أثره، حتى عثرنا عليه، خاصة وأن سفارة دولة فلسطين في رومانيا، كانت تستعد لاستقباله استقبال الأبطال، ولكن خط سيره لا يمر بالعاصمة بوخارست. لذلك كان يجب علينا الذهاب إليه، فقطعنا أكثر من ثلاثماىة كيلومتر، وكان لنا شرف الإلتقاء به والتعرف عليه، قبل خروجه من رومانيا، حيث نقلنا له تحيات أعضاء السفارة، وفي مقدمتهم سعادة الاخ السفير/ عصام مصالحة، الذي تحدث مع يوسف شخصيا، عبر مكالمة هاتفية، وشجعه على مواصلة دربه، وعلى نقل رسالته، وأثنى على فكرته. وبرغم كل الترحيب والمساعدة، والحفاوة وكرم الضيافة التى لقيها يوسف من الرومانيين الذين صادفهم، على عكس غيرهم من سكان الدول الأوروبية الأخرى، لدرجة أنه شعر فعلا بأنه هنا في بلده وبين أهله، إلا أن سعادة السفير أوصانا أن نؤمن ليوسف وأسرته كل ما قد يحتاجون إليه في طريقهم نحو أرض الوطن!

عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق