بقلم : عماد خالد رحمة .برلين
ما زال فيروس كوفيد 19 (كورونا) ومتحوراته يلقي بظلاله السوداء على البشرية جمعاء، وعلى الرغم من التصريحات النارية من قبل العديد من المسؤولين في منظمة الصحة العالمية حول الاقتراب من الانتهاء من هذا الفيروس الخطير ، إلا أنه أبى أن يغادرنا .وها نحن نعبر إلى العام الجديد 2022 م وهذا الفيروس يرافقنا دون فكاك. وهو الذي رافقنا لمدّة عامين كاملين، حتى بتنا نتعايش معه ونهتم به وبكل متطلباته وشروط الخلاص منه، من زيادة النظافة والتعقيم، وارتداء اللثام (الماسك)، وتحقيق شروط التباعد الاجتماعي ،وأخذ اللقاحات الواحد تلو الآخر. ليس هذا فحسب بل تعايشنا مع فيروس كورونا دلتا، وكورونا القادم من الهند والصين واليوم نتعايش مع فيروس إوميكرون القادم من عمق القارة الإفريقية . من هنا نستطيع القول ودون مواربة أنَّ فيروس (كوفيد-19) قد نال اهتماماً بالغاً منا ،بل إهتماماً متعاظماً خلال الفترات الماضية، سواء كان ذلك على مستوى الدول أو الحكومات ،أو المنظمات الدولية ،أو الشعوب والأفراد، باعتبار أنه يمثل البديل الذكي، بل الأشد ذكاءاً لطريقة التعامل السابقة مع الوباء إبان ظهوره الأول، أو خلال ظهور متحوراته المتعدّدة والمتنوعة ،وانتقالاتها من مكانٍ إلى مكان آخر. بخاصة وأنَّ العلماء والمتخصصين كانوا قد صنفوا فيروسات كورونا التاجية من أخطر الفيروسات التي تسبِّب الأمراض الخطيرة للإنسان والحيوان معاً .والتي تسبب المتلازمات التنفسية الحادة مثل فيروس ( ميرس MARS) و(سارس SARS )، فقد تم العثور على سبعة أنواع من التحورات والمتحولات المختلفة في عدد كبير من الأشخاص، بما في ذلك المسؤولون عن أوبئة السارس وفيروس كورونا وكوفيد 19.
الجدير بالذكر أنَّ هناك أربعة من تلك الأنواع السبعة تسبب أمراضاً خفيفةً في السبيل التنفُّسي العلوي تنجم عنها أعراض مشابهة لأعراض الرشح والزكام الشائع في العالم .في حين أن الأنواع الثلاثة الأخرى من فيروسات كورونا البشرية تُسبب حالات عدوى أكثر شدَّةً وقسوة على المريض ، وقد أدت في الآونة الأخيرة إلى فاشيات كبيرة من الالتهاب الرئوي الحاد القاتل ،وكانت منظمة الصحة العالمية قد تحدثت في تقاريرها عن عدة أصناف من ذلك الفيروس التي منها :
• سارس-كوف2 SARS-CoV2 اختصار لفيروس (كورونا 2) المُسبب للمتلازمة التنفسية الحادَّة الصعبة والمعقّدة، وهُوَ فيروس تاجي مُستجد جرى التعرُّفُ إليه لأول مرة في مدينة ووهان الصينية في أواخر عام 2019 م، وتبين أنَّه المسؤول الأوَّل عن داء فيروس كورونا
• 2019 Coronavirus disease: اختصاراً كوفيد-19 COVID-19) (الذي انتشر في جميع أنحاء العالم في العام 2019 وعرفته البشرية بهذا الاسم .
• ميرس-كوف MERS-CoV (اختصار لفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية ، هو فيروس تاجي جرى التعرُّف إليه لأول مرّة في عام 2012 م، وتبين أنه المسؤول الأساسي عن مُتلازمة الشرق الأوسط التنفُّسية (ميرس MERS.).
• سارس-كوف SARS-CoV (اختصار لفيروس كورونا المُسبب للمتلازمة التنفسية الحادة الصعبة والمعقّدة. وهو فيروس تاجي جرى التعرفُ عليه لأول مرة في عام 2003 م، وتبين أنه المسؤول عن فاشية المُتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس SARS ) التي بدأت في جمهورية الصين الشعبية في أواخر عام 2002.
الجدير بالذكر أنّ هناك عدد كبير من التقارير التي صدرت في وقتٍ مبكر، تشير إلى أنّ الفيروس الجديد أوميكرون (Omicron B.1.1.529) وهو من الفيروسات التاجية. لذا فإنّه أكثر عدوى من الفيروس المسبب للسارس SARS ،ولكنه أقل عرضةً للتسبب في أعراضٍ حادّة، وهناك الكثير الذي نحتاج إلى أن نعرفه عن فيروس كورونا الجديد.
لقد احتل فيروس (كوفيد 19) ومشتقاته، ومتحوراته كل هذا الاهتمام من العلماء والمتخصصون، والدول على مختلف مستوياتها ، ومنظمة الصحة العالمية ،وحتى الأفراد، وساهم انتشار هذا الفيروس في تغييرات كبيرة وشبه جذرية في حياة البشرية، ومن سلوكياتنا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية طوال سنتين وأكثر ،وقد تمتد تأثيراته المستقبلية إلى وقت بعيد غير محدّد.
على الرغم من أن الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الحكومات ،ومنظمة الصحة العالمية للسيطرة على الوباء التي كانت ضرورية جداً في حينها، إلا أنها سببت ارتباكات كبيرة وتراجعاً كبيراً على كل مستويات الحياة المتعدِّدة.كما ساهمت بالعمل على مستويات وخسائر اقتصادية باهظة. لكن ومع ظهور ترسانات اللقاحات الضخمة والأدوية المضادة التي أنتجتها أضخم المخابر الطبية في العالم، بدأت ثقافة التعايش مع الفيروس واستحقاقاته تشق طريقها وسط الدول والحكومات والمجتمعات، وحتى الأفراد .وتدعم خيار الانتقال من حالةِ الفزع والصدمة والتشدد الإجرائي، نحو مرحلة الثقة والمرونة والتعايش الذكي مع الفيروس واستطالاته واستعادة نمط الحياة الإنسانية الطبيعية.
ومن خلال متابعتنا لمجريات المواقف السياسية والاقتصادية والسياسة الصحية في العالم، وجدنا في الأسبوع الماضي أنَّ كوريا الجنوبية قد شكلت لجنة لوضع استراتيجيات مدروسة ومحكمة تسمى استراتيجيات تعايش مع فيروس كوفيد 19 ( كورونا). هذه الاستراتيجية طويلة المدى، تهدف إلى معاودة فتح الاقتصاد ،وبدء دورة عمل جديدة دون توقف . وتهدف الخطة إلى التخلي التدريجي عن الكثير من القرارات والقيود الصارمة مع الزيادة في أعداد الذين تلقوا جرعات تطعيم كاملة وبشكلٍ منتظم. وبالتالي ارتفاع مستويات المناعة في المجتمع ككل .وهذه السياسة الجديدة التي اعتمدتها سيئول تعني أن فيروس كوفيد 19(كورونا) سيصبح مثل الأمراض البسيطة الأخرى المستوطنة كالملاريا والإنفلونزا ،وفي أجزاء أخرى وهي أمراض لا تثير الذعر ولا الخوف والهلع، ولا تعرقل مسارات الحياة الطبيعية للبشر .
لم تكن كوريا الشمالية الدولة الوحيدة التي ابتكرت العمل بسياسة التعايش مع فيروس كوفيد 19 (كورونا) ومتحوراته ، فقد اتخذت المملكة المتحدة (بريطانيا) خطواتٍ هامة على الطريق ذاته. وركَّز وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد على أهمية اعتماد ثقافة التعايش مع الفيروس عبر القيام بحملات التطعيم والاعتماد القوي والأساسي على ترسانة العلاجات والأدوية المتوفرة.
الجدير بالذكر، إن تأثيرات ظهور فيروس كوفيد 19 (كورونا) لم تكن كارثية بالمجمل، فقد أشار العديد من الخبراء إلى جوانب إيجابية تمثلت خصوصاً في كونه كشف هشاشة البنية التحتية لهياكل الصحة ومؤسساتها وإداراتها في العديد من الدول. وتحديداً دول العالم الثالث الفقيرة .وحفّزعلى إعادة بناء وتأهيل مراكز الرعاية الصحية، وخدمات الصحة .ومراجعة الخطط والبرامج والاستراتيجيات الموضوعة من قبل الحكومات لمواجهة أي أخطار صحية في المستقبل بما فيها فيروس كوفيد 19(كورونا)، وكانت المبالغ المالية الضخمة المرصودة لهذه الأغراض والتي دخلت في الدورة الاقتصادية بالفعل، قد ساهمت في إنعاش الاقتصادات المحلية والاستثمارات الناشئة ،ودعمت استقرار الاقتصاد العالمي في محاولة منها للخروج من حالة الركود والتراجع التي أصابت العالم .