لم تتوقف الحرائق التي اجتاحت العديد من دول العالم عن أكل الأخضر واليابس ، كما لم يتمكن العالم في الوقوف في وجه الفيضانات الاستئناية التي اجتاحت مناطق عدة من العالم . كل ذلك سحب الأضواء من الاهتمام الكبير بمكافحة جائحة ( كوفيد 19 ) كورونا. وتداعياتها الخطيرة، لتلفت الأنظار إلى التغير المناخي الكبير في العالم ، وما يمكن أن يسببه من مخاطر لا تحسب عقباها على مستقبل الحياة البشرية وسائر المخلوقات على كوكبنا الأزرق ، فما شهدته البشرية من تحولات طبيعية خطيرة خلال هذه الفترة كان كافياً لاستنباط استراتيجيات وآليات عمل جديدة، تتصدى بقوة وبطرق علمية لهذه الظواهر التي تنذر بأسوأ العواقب.
أخذت الفيضانات والحرائق في العالم ترسم خرائط جديدة عبر تدميرخطير ومرعب لم تتحمله مرافق البنى التحتية التي أشادتها الدول والحكومات من جمهورية روسيا الاتحادية ،وجمهورية الصين الشعبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ،إلى كوريا الشمالية، مروراً بالقارة الأوروبية ، فالحرائق التي التهمت ملايين الهكتارات من الغابات، ونسفت مئات القرى، وحاصرت مدناً كبرى كالعاصمة اليونانية أثينا، كما نشبت الحرائق الهائلة في الصين والجزائر وبعض دول البحر الأبيض المتوسط . كل ذلك نتيجة لتأثيرات الاحتباس الحراي . وقبل عام 2016 بعقد، التهم قرابة 48 ألف حريق غابات أكثر من 457 ألف هكتار سنوياً في دول جنوب أوروبا الخمس وهي إسبانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا واليونان حيث تشهد هذه الدول اندلاع حرائق الغابات بشكل معتاد.
إنَّ ما جرى قد أخلَّ بالتوازنات البيئية بعد أن قضت على أنواع من الحيوانات والزواحف والحشرات، لم تتوقف الخسائر عند هذا الحد بل ألحقت أضراراً كبيرة بمحطات الكهرباء والمحاصيل الزراعية في معظم دول العالم ، فضلاً عن الخسائر البشرية سواء بالوفيات أو التهجير أو بفقدان مواطن الرزق والاستقرار والأمن والأمان ، وذلك كله كان نتيجة حتمية لارتفاع حرارة الغلاف الجوي ونقص في طبقة الأوزون التي أسهمت بدورها في تشكل ظاهرة أمطار غزيرة في معظم دول العالم ، تزامنت في دول عدة، مثل روسيا وتركيا وكندا، مع الحرائق المستعرة ، وسببت مجتمعة كوارث مزدوجة خطيرة ، فمن النادر حدوث تحالف بين الماء والنار، ولكن في هذا الزمن أصبح ذلك أمراً واقعاً، لينذر البشرية جمعاء بأن الاستمرار في التعامي عن هذه الظواهر الاستثنائية في الكون ، لا يجب أن يستمر طويلاً .
بعض الخبراء والمختصين الاستراتيجيين يؤكدون أن الحرائق والفيضانات ستكون سلاح الاحتباس الحراري الجديد ضد البشرية في السنوات والعقود المقبلة حسب جميع المؤشرات العلمية من مراكز الأرصاد الجوية المتناثرة في العالم ، إذا لم يسارع صنّاع القرار في كل مكان من العالم إلى وضع الاستراتيجيات العاجلة والآليات الضرورية الآنية والآجلة لوقف هذا التهديد الخطير . فبعد القضاء على جائحة ( كوفيد 19) كورونا سيواجه العالم معركة شديدة الخطورة، لحماية المناخ واستحقاقات استتباعاته ، والمحافظة على الحياة على كوكبنا الأزرق ، لا سيما أن بعض التقارير العلمية تشير إلى اختلالات مروعة ومرعبة في كوكب الأرض، من ذلك ارتفاع منسوب المياه في الأنهار والبحار والمحيطات جرّاء غزارة الأمطار المنهمرة ، وذوبان كميات ضخمة من الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي وصلت إلى ذوبان جبال كاملة من الجليد ، بينما أصبحت المدن الساحلية التي تتركز فيها ثلاثة أرباع الصناعة والتجارة ويتمركز فيها القرار السياسي وقيادة البلد ،مهددة بالغرق، وهذا السيناريو ليس من الخيال العلمي أبداً ، بل سيكون تهديداً واقعياً وخطيراً في غضون سنوات قليلة حين لايمكن للعالم القيام بأي إجراء وقائي ونندم على تقصيرنا .
تحت عنوان المناخ العالمي في خطر شديد ، على المجتمع الدولي برمته أن يتجاوز خلافاته البينية ويضعها جانباً ويتجاوز أيضاً صراعاته الدولية التي لا تنتهي ، ويصب كل جهوده وإمكاناته ، لحل هذه القضية بشكلٍ عملي وعاجل من أجل حماية الطبيعة والحياة. ووضع خططاً طموحة، للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والانبعاثات الحرارية التي تؤدي إلى الاحتباس الحراي ، والتخطيط للاقتصاد الأخضر ،والتشجيع على الطاقة الصديقة للبيئة. ومن ينظر في الكوارث الجارية، التي سببتها الفيضانات والحرائق التي اجتاحت معظم دول العالم ، عليه أن يستوعب أن ما حصل مجرد إنذار عام ، وأن القادم أخطر وأعظم، إذا لم يتم تدارك الأمر على وجه السرعة
هل يمكن إنقاذ العالم من استتباعات المناخ ؟ بقلم : عماد خالد رحمة

المصدرالكاتب للمركز الفلسطينى الاوروبى للاعلام ( بالوميديا)