هل ستنتهي حروب الغرب الدموية؟..بقلم : عماد خالد رحمة

14 يوليو 2021آخر تحديث :
هل ستنتهي حروب الغرب الدموية؟..بقلم : عماد خالد رحمة

لم تمضي لحظة من لحظات التاريخ الإنساني إلا وشهدت حرباً دموية ،بل حروباً بين البشر. وفي عصرنا الحالي تكون الحرب نزاع مسلح متبادل بين دولتين أو أكثر من الدول أو الكيانات غير المتوافقة وغير المنسجمة.حيث الهدف منها هو إعادة تنظيم مكونات الجغرافية السياسية للحصول على نتائج مرجوة ،ومصمَّمة بشكل ذاتي ومدروس.فقد قال المنظر العسكري البروسي( كارل فون كلاوزفيتر Carl Philipp Gottlieb von Clausewitz) في كتابه عن الحرب Vom Kriege) ) أنها : (عمليات مستمرة من العلاقات السياسية ولكنها تقوم على وسائل مختلفة.) وتعدُّ الحرب تفاعلًا بين اثنين أو أكثر من القوى المتعارضة والتي لديها (صراع في الإرادات والرغبات).هذا المصطلح يستخدم أيضا كرمز للصراع غير العسكري، مثل (الحرب الطبقية).والحروب بشكلٍ عام لا تعد بالضرورة احتلالاً أو قتلاً أو إبادة جماعية ( جينوسايد Gynosid) على أسس عرقية أو دينية أو وطنية.وهي أيضاً المعاملة بالمثل كنتيجة للعنف، أو الطبيعة المنظمة تنظيماً قوياً للوحدات المتورطة. وللحرب أيضاً كيانها الثقافي وممارستها الخاصة .وليست مرتبطة بنوع وحيد من التنظيم السياسي أو المجتمعي. بدلاً من ذلك، كما تمت مناقشته باستفاضة من قبل(جون كيغان John Keegan) في تأريخه للحرب، فإن الحرب هي ظاهرة عالمية، وشكلها ونطاقها وقوتها وشدتها يحدّدها المجتمع الذي يقوم بها. والحرب تمتد على طول سلسلة متصلة من الحروب العشائرية والقبلية شبه العالمية والتي بدأت قبل التاريخ المدون للإنسان، ثم إلى الحروب الطاحنة بين المدن أو البلدان أو الإمبراطوريات، أو الأمم برمتها . لذا ما من جديدٍ يمكن للمرء أن يضيفه حين يلاحظ عدة ظواهر،متداخلة بعضها مع بعضها الآخر ومكثَّفة، في ميدان الصّراعات والنزاعات بين الدول والأمم، في العالم الحديث والمعاصر،مع ما باتت تحتلّه الحروب الطاحنة واللّجوءُ إليها من مكانةٍ أساسية ومركزيّة في تلك الصّراعات وتلك النزاعات المحتدمة.من بين تلك الظواهر أنَّ نطاق الحروب الدامية زادت اتساعاً وازدادت وتائرها خلال المئتي عام الأخيرة .ولم يخلو عقد من الزمن خلال القرنين الماضيين ( القرن التاسع عشر والقرن العشرين) من حرب دموية اندلعت في مكان ما من البسيطة.وأحياناً كثيرة كانتِ الحرب تفرخ حروباً أخرى ما أن تندلع وتتسع على أبعد مدى.ومن الظواهر التي نشهدها حول الحرب ،أنَّ معظم حروب العالم المعاصر أشرس وأشد فتكاً وتدميراً وحرقاً ،وأوسع في مداها على من تقع عليهم من البشر الذين بمعظمهم من المدنيين والآمنين في بلدانهم وأوطانهم. ولأنَّ الحرب المعاصرة شهدت تطوراً مذهلاً ومتسارعاً لأعتى الأسلحة في التاريخ البشري من الأسلحة التقليدية والتكتيكية والنووية والجرثومية والكيماوية وجميع أسلحة الدمار الشامل الفتاكة .
إنّ اتّساع نطاق الحروب والنزاعات المسلحة في العالم تساوَق مع اتساعِ مجال المصالح الاقتصاديّة والاستراتيجيّة الحيوية للدّول، فبات الحفاظُ على الاقتصاد أو تعظيمها وقْفاً على شنّ الحروب الطاحنة المدمرة أو على الأقلّ، على حيازة القدرات العسكريّة المتطورة والفتاكة الكفيلة بالاستخدام لتحصيل تلك الأهداف. وهكذا كلّما أُحْرِز التقدم في ميدان تكوين المصالح الاقتصادية وتوسيعها زادت بالتبعية، الحاجةُ الماسة والضرورية إلى الأسلحة والأساطيل والحروب.لقد أفضت الحروب العالمية والحروب بين الدول إلى نتيجتين هامتين متلازمتين: منها نشوء اقتصاد عسكري له علاقة مباشرة بالحرب ، وتَعزُّز مكانته ضمن المنظومة الاقتصاديّة الإجماليّة بقوة ، وإلى رسوخ موقع النّخب العسكريّة والاستخباريّة والأمنيّة وأجهزتها القوية داخل الدّولة.فالحروب تشن لغايات وأهداف سياسية ، حيث تفرض الدولة المنتصرة شروطها، من خلال القاذفات الاستراتيجية والبوارج والصواريخ والطائرات المقاتلة ، إذا كان لا بد من استخدام الدبلوماسية فإنه يتم استخدام ( دبلوماسية المدفع ) بما يعني أن الحروب أدوات في خدمة السياسة. أيضاً كما نعرف أنَّ السياسة تكثيف للاقتصاد. وتُشَن الحروب المدمرة في العادة من أجل الهيمنة على المواد الخام التي تحتاجها الصناعات المتعددة في الدول الغربية،والتحكم في الممرات المائية والمعابر الاستراتيجية. ويرى بعض المفكرين أن الحروب تشن مدفوعة بنوازع التوسع والسيطرة والهيمنة،أو بسبب ندرة الموارد أو بسبب الأزمات الداخلية.
لقد ميز الفلاسفة والمفكرين بين الحرب العدوانية والحرب العادلة. فالحرب العدوانية هي بطبيعتها عنصرية ووحشية وتوسعية، وتمثل عدواناً من الدولة القوية على الدولة الضعيفة. أما الحرب العادلة، فتهدف للدفاع عن النفس ورد العدوان ،والحفاظ على الأوطان والأمن والأمان.وهناك من اعتبر الحروب الاستباقية حروباً عادلة، لأنها تأتي رداً على عدوان محتمل، ربما يكون مدمراً .ولأنَّ الخلل في موازين القوة العسكرية والاقتصادية ما يزال مستمراً فسوف تستمر الحروب والنزاعات، يحكمها التوسع والهيمنة من جهة، والاستقلال والتحرروالمطالبة بحق تقرير المصير من جهة أخرى. وسيستمر الحال على ما هو عليه إلى أن تتوصل البشرية جمعاء إلى نظام دولي يحفظ الأمن والسلم وهذا من الصعب أن يتحقق في ظل أطماع الدول والامبراطوريات وصراع الأقطاب. إنَّ من يتابع ما أنتجته نظريات الدورة التاريخية، يدرك أن هناك قراءات من النوع الحتمي للحروب، يشير بعضها إلى أنَّ البشرية تشهد حتماً حرباً كبرى كل مئة عام على أقل تقدير، لكن أحداث القرن العشرين دحضت نظريات الدورة التاريخية، حيث شهد القرن حربين عالميتين مدمرتين،غيرت معالم وجغرافيا عدد كبير من الدول. وهما أكثر الحروب فتكاً وتدميراً في التاريخ الإنساني،التي راح ضحيتها أكثر من 160مليون قتيل.إنّ سجلات التاريخ والرصد التاريخي يؤكد أنه ليس يكفي أن تكون القوة العظمى هي الأقوى اقتصادياً في العالم، بل إن الحرب شرط لازم لتتويج هذه القوة بكل مفاعيلها،على رأس صناعة القرارات الأممية، وتأسيس نظام عالمي جديد. فهذا النظام يصنعه في الغالب المنتصرون، كما حدث في الحربيين الكونيتين الحرب العالمية الأولى والثانية.
الجدير بالذكر أنَّ الإمبراطوريات التي لم تستطيع الاستمرار بقوتها ونموها ونشاطها وتثبت فشلها ، يتأكد فشلها بهزائم ماحقة تلحق بجيوشها وعتادها وحتى هيبتها. ويأتي الفشل في الحرب إعلاناً لنهاية وجودها، كما حدث مع الإمبراطوريات القديمة مثل الامبراطورية اليابانية. وكما هو مع سقوط السلطنة العثمانية، حيث أطلقت الحرب العالمية الأولى رصاصة الرحمة التي أنهت حقبة (الرجل المريض بالأستانة).كما أنَّ الأزمات السياسية قد تودي بالإمبراطوريات إلى الهاوية والتفكك ،كما حدث بالنسبة للاتحاد السوفييتي السابق، حيث مثل سقوط جدار برلين الإعلان عن نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق، معبداً الطريق للسقوط المدوي للإمبراطورية السوفييتية وللكتلة الاشتراكية برمتها،كما أنه من الصعب تغييب دور الفشل العسكري لهذه الإمبراطورية في أفغانستان.فقد أدخل السوفييت الجيش الأربعين إلى أفغانستان بتاريخ 25 تشرين الأولعام 1970م. وانسحبت القوات السوفيتية منها بين 15 أيار 1988 و2 شباط 1988م. وأعلن الاتحاد السوفييتي انسحاب كافة قواته العسكرية بشكل رسمي من أفغانستان بتاريخ 15 شباط 1989م .
والحقُّ يقال أنّ حروب الدول الغربية فاقت، في أهوالها وجرائمها وآلامها كل الخطوب، ولم نشهد مثيلاً لها في السابق من حروب دامية ،بعد إذ تهيأت لقوتها وفداحتها الأسبابُ من ثرواتٍ ماديّةٍ ضخمة جداً وصناعةٍ وتِقانةٍ عالية الجودة والدقة واقتصادٍ عسكري ،وميزانية تفوق ميزانيات العديد من الدول النامية ، وبعد أن اتسع الفارق في الموارد والقدرات بينه وسائر بلدان الكرة الأرضية ودولها. ترتدّ سيرة الحرب إلى أسباب وعوامل عديدة مرتبط بعضُها ببعضها الآخر.وتشترك في إيجاد الأعذار والمبررات وفي إشعالها في الوقت عينه. فالصراع المحتدم على المصالح الحيوية وقد بلغ ذروته في المرحلة الإمبريالية من التطوّر الرّأسمالي .حيث عملت على الدّفاع عنها وتحصينها أو تحصيلها لاستخدام الجيوش المؤللة والقوّة الحربية الفتاكة. كانت الحروب الاستعمارية لإخضاع بلدان جنوب الكرة الأرضية الحلقةَ الأولى في ذلك المسار الطّويل. غير أنّ الصّراع على النفوذ والمصالح الحيوية ما لبث أن انتقل، نقْلة نوعية، ليتم انتاج أضخم حربين عالميتين في التاريخ السياسي والبشري، في النصف الأول من القرن العشرين حتى العام 1945. غير أنَّ حروب الدول الغربية الإمبريالية لم تتوقف. إذ لم تلبث أن استُؤنفت الحروب الأمريكية الدامية ضدّ فييتنام والمعروفة أيضًا باسم الحرب الهندوصينية الثانية،وهو نزاع وقع في فيتنام ولاوس وكمبوديا ابتداءً من 1 تشرين الأول 1955م حتى سقوط سايغون في 30 نيسان 1975 م.والحرب على كوريا التي بدأت من العام 1953 حتى العام 1955م ، بدعوى صد الخطر الشيوعي، كما شنت الولايات المتحدة الأمريكية حرباً دموية طاحنة ضد أفغانستان بدعوى القضاء على قواعد الإرهاب وتنظيم (القاعدة) وحاضنته السّياسيّة (نظام طالبان). وبعدها شنت حرباً مدمرة ضد العراق إلخ. وهي، جميعها من غير استثناء، حروب على مصالح حيوية مثل مناطق نفوذ وسيطرة جيواستراتيجية،والسيطرة على مصادر الطاقة، كل تلك الحروب جرت التغطية عليها لإخفاء أطماع وجشع الرأسمال وقواه.كما أنَّ الأرباحُ الخيالية النّاجمة من الصّناعات العسكريّة ومجمعات الصناعات الحربية الضخمة والكارتيلات الكبرى التي لا يمكن أن يَستقيم لها وجودٌ ومبرِّر، ولا أن تتعاظم حجما وقوة ، إلاّ في ظروف الحرب وظروف السيطرة والهيمنة المدعومة عسكرياً .

المصدرالمركز الفلسطينى الأوروبى للإعلام
عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق