نتائج محنة فقدان الحوار مع الآخر،، بقلم :عماد خالد رحمة

25 أغسطس 2021آخر تحديث :
نتائج محنة فقدان الحوار مع الآخر،، بقلم :عماد خالد رحمة

يعدُّ العقل الحواري النقدي البنَّاء من أهم مسوغات نجاح العقل في تجسيد التواصل مع الآخر. وهو من أهم ما يحتاجه الإنسان ليكون البوصلة الحقيقية التي تحدِّد اتجاهاتنا ومسيرة حياتنا ،وأهدافنا في مختلف المجالات .لذا توجب علينا فهم آلية نقد المجتمع والدولة وتكويناتهما ومحاولة الوصول إلى قاعدة متينة وراسخة توضح أو على الأقل ترسم معالم سيرورة المسيرة المتعلقة بمعنى كل من الفكر والثقافة السائدتين والمسيطرة على مجتمعاتنا العربية وهو أمرٌ في غاية الأهمية، وذلك لضرورة توجيه طريق مظلم سار من خلاله الشباب العربي بهدف إنارة ذلك الطريق وسبر أغوار المستقبل الباهر للأجيال القادمة .وبما أنَّ الفكر وبالتالي التفكر هو مجموعة معطيات وعمليات ذهنية تمكّن الإنسان من نمذجة العالم الذي يعيش فيه .وبالتالي يمكنه التفاعل والتعامل معه بفاعلية أكبر بكثير لتحقيق خططه وأهدافه ورغباته. وتبرير مسوغاته.ونحن نعلم مسبقاً أنَّ هناك العديد من المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بمفهوم الفكر والتفكير أهمها:الوعي ،الإدراك ،الأفكار ، شدة الإحساس ،والخيال .ولأنَّ الفكر بوصفه كلمةً مكتوبة ومنطوقة ،هو مجموعة الآراء والأفكار والمفاهيم التي يعبّر بها شعبٌ ما عن اهتماماته وطموحاته ومشاغله ،وعقائده الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، وأيضا يعبِّر عن قيَمِهِ الأخلاقية ومُثُلِهِ ونواميسه التي يؤمن بها ،ومعتقداته الدينية والمذهبية وطموحاته السياسية والثقافية والاجتماعية.وبعبارةٍ أخرى ،إنَّ الفكر بهذا المعنى ،وهذا المدلول الواضح جداً هو (الأيدولوجيا) ،أي أنهما اسمان لمسمّى واحد. ومن قرأ كتاب (تكوين العقل العربي) للمفكر العربي الراحل محمد عابد الجابري يجد بين ثناياه شرحاً تفصيلياً ووافياً حول ذلك .
لكن وللأسف الشديد مازال الفكر الثقافي العربي يعاني من الوهن والنكوص والإرتكاس .فقد تم وسم فكر ومنهج الثقافة العربية الموسوم بأنه فكر ثقافي تقليدي يتدحرج نحو الأسفل متشظياً،بعد أن عانى الشعب من الكثير من حالات النكوص والإرتكاس والتراجع نتيجة معاناته من الصدمة المعرفية(الأبستيمولوجية) الخارجة عن محنة توقف الحوار مع الآخر ،بل إهانته والانتقاص منه في السرِّ والعلانية ،وبعد تبرؤ الثقافي من السياسي كون الثقافي يَعتَبر السياسي (براغماتي) صاحب مصلحة نفعية ،فهو مصلحي بالضرورة ، أي يعتبره في ميزان التقييم (منخفضاً إلى مستوى نقابي)، وانتهاءً بعطالة السؤال الثقافي المرتهن لقضايا داخلة وخارجية نجده يَفرض ذاته عن إنتاج عوامل حراكِهِ وجَدَلِهِ وخروجِهِ عن قلق الأنطولوجيا والتوثيق والتدوين التاريخي وتثبيت فعاليات التاريخ وإرهاصاته ،عَبْر هذا المنظور لم يَعُد الفكر الثقافي العربي حزباً إيديولوجياً حسب عبارات المفكر والمثقف العضوي الإيطالي أنطونيو غرامشي ، بل بات حزب نفسه يَسمع رنين صوته فقط ، صوت مصلحته الخاصة كونه (براغماتي) ،ومصلحة عائلته الصغيرة ومن ثم عائلته الكبيرة ،وشريحته الاجتماعية الخاصة به، أو شخصه، متحوّلاً من جماعة سياسية مفتوحة إلى جماعة نقابية أو عائلية مغلقة ومسوَّرة بأفكار ومفاهيم تحرسها قوانين وتشريعات ناظمة سنَّها لتحقيق مآربه . لذا تراها محصورة على نحو ضيّق ،هذا الفكر الثقافي العربي بما فيه من ماهية وتكوين واستطالات وفضاءات مازال يعاني من إشكالات محنته القاسية إزاء أيدولوجيا النصوص وفقهيتها (التطهيرية) ،وهبوطها غير المقدَّس على أرض العُصاب الديني والطائفي والمذهبي، وما تتضمنه من فسيفساء إثني وديني مزدوج أيضاً، وتاريخ المدن والحواضر العربية السرّانية التي تكونت فيها أفكار ومفاهيم وثقافة خاصة بها مسوَّرة ومحصّنة ضمن أقانيم محدّدة .
إنَّ الفكر الثقافي العربي الجديد أصبح ضحيةً غريبةً لهذه القراءة الإشكالية من وجهة نظر واحدة للتاريخ وصيرورته وسيرورته وتداول النص، وإشكالات مفاهيمه وأفكاره الإجرائية المتتابعة،إذ فَقَدَ إزاء لاعقلانيته الكثير من اطمئنانه واستقراره، ونمطه القياسي في التعاطي العملي مع مفهومات الثورة ومدلولاتها وأهدافها ومسيرتها ومآلاتها ،والمقدّس وغير المقدّس ،والأهلية والحياة المعيشية العامة ،والحاكمية والسلطة المتنفذة، والرفاهية وحرية الرأي وحرية التعبير ،والايديولوجيا بكافة اختلاطاتها وإشكالياتها …إلخ .ومما لا شك فيه أن َّمرحلة ما بعد الصدمة ،أي الصدمة الحضارية والصدمة المعرفية الأبستيمولوجية لم تزل غائمة ومخفية في الثنايا الجوانية للعقل والوجدان والشعور الإنساني الفيّاض الذي يمتلىء قلقاً واضطراباً، بل تربض تحت التراب مدفونةً بطمأنينة وسكون لا حراك فيه، ولم يؤسِّس لها العقل (السسيو سياسي) العربي مقدمات عملية وميكانزمات إجرائية أو شرعية أو قانونية ناظمة لإيقاعها وضوابطها في إطار التوافق بين البنى المعرفية الأبستيمولوجية ،والبنى الاجتماعية السوسيولوجية ، إذ ظلَّت هذه المرحلة مأخوذة إلى آليات العنف الرمزي والقهر المنظم الطوعي والقسري ،والنظام الطقوسي القائم على أساس قصدية الهيمنة والسيطرة وفرض الأفكار والمفاهيم بالقوة الناعمة أحياناً ،والقوة الخشنة أحياناً كثيرة ،والموقف التاريخي القوي الذي تم تجسيده ضمن حقبة زمنية طويله ،حيث فقدت الكثير من وقائعها عبر ايهامات وتهويمات انتاجها الرمزي للقوة، وعبر مراحل التعويم والغرق بين تارةٍ وإخرى ،والحكم والهيمنة الذي يشكل تجاوز نسق التخمينات والتوقعات ،وحسابات الفكر الثقافي التقليدي ذاته. و لأنّ الصراع المتفاقم على التماهي مع ثقافة السلطة باتت الثقافات الاجتماعية الهامشية (غير السائدة) ،تخوض حرب مواقع باحثةً لها عن موطئ قدم كي تعيد تأصيلها وتأسيسها من جديد بقوة

المصدرالكاتب للمركز الفلسطينى الأوروبى للإعلام
عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق