مجرد فرق درجة، لا فرق نوع..!

22 ديسمبر 2020آخر تحديث :
مجرد فرق درجة، لا فرق نوع..!
جميل عبد النبي

مجرد فرق درجة، لا فرق نوع..!

جميل عبد النبي*

2020-12-21 00:06:00

يوما ما، كنت ممن يظن أن هناك معتدلين، ومتطرفين من بين رجال الدين، وكنت أظن أن التمييز بينهم ليس صعبا، فالمعتدل متسامح، يؤمن بالتعايش، لا يستخدم لغة التكفير أبدا لوصف مخالفيه، يؤمن بحرية الاختيار، وحرية المعتقد،… وهكذا.
المتطرف هو عكس ما ذكر تماما.
ذات مرة- قبل ثلاثين سنة تقريبا- قرأت لكاتب تنويري يقول: “الفرق بين المعتدلين، والمتطرفين من رجال الدين هو مجرد فرق درجة، وليس فرق نوع، وأنه لا يتعدى القشرة الخارجية، التي سرعان ما يتم تخلي المعتدلين عنها ليبدو وجههم الحقيقي المطابق تماما للمتطرفين، وما عليك إلا أن تدقق أكثر في اللغة التي يستخدمونها، أو أن تطالبهم بإجابات صريحة عن قضايا يعلنها المتطرفون، وينسبونها للدين”.
لم يعجبني حينها ما قرأت، وظننته موقفا متطرفا، حيث كنت أظن أن الفرق بين المعتدلين والمتطرفين يتجاوز حدود الشكل، فليست اللحية، والجلباب، ونقاب المرأة، هي فقط ما يميزهما، بل التعايش، وهذا بالنسبة لي هو مربط الفرس، كنت أظن أن المعتدلين متعايشون بحكم المبدأ الذي يؤمنون به، وأنهم متجاوزون للخطاب التاريخي الذي يميز بين المواطنين على أساس الدين، أو المذهب، أو العرق أيضا، وبالمناسبة حتى اللحظة يزعم بعضهم ذلك، لكن المهم الآن وقبل فحص زعمهم هذا أنني لم أكن أشك بأن تعايشهم المؤقت مرتبط بحالة الضعف التي يعيشونها، وأنه مجرد خطاب مؤقت ينتظر التمكين، وما أدراك ما التمكين..!
بقليل من الفحص، والتدقيق لخطاب المعتدلين، وسؤالهم عن طبيعة التعايش الذي يتحدثون عنه، وعن طبيعة الدولة التي يحلمون بها، وعما يقولونه عن الإسلام- وهذا ما لا أشك فيه- بأنه يؤمن بحرية المعتقد، وحرية التفكير، والتعبير، ثم موقفهم من مخالفيهم حتى من داخل دائرة الإسلام، بدت الحقيقة واضحة أمام ناظري، فهؤلاء وأولئك يخرجون من مشكاة واحدة، وأن الفرق بينهما أقل حتى من فرق الدرجة، إنما مجرد فروق شكلية، يحاول مدعو الاعتدال ستر مخزونهم المتطرف التكفيري بواسطته.
مثلا:
المعتدلون، والمتطرفون كلهم يسقطون الآيات القرآنية التي تستخدم مصطلح الحكم:
“ومن لم يحكم بما أنزل الله”
“حتى يحكموك فيما شجر بينهم”
“ليحكم بينهم”
على الدولة، ويقولون: أن الدولة المعترف بها في الإسلام هي الدولة التي تحكم بما أنزل الله، وعند سؤالهم: وأين هي النصوص الكافية لسد حاجات الدولة؟ وهل هذا يختلف عما كنتم تزعمون نكرانه، بأنكم لا تؤمنون بالدولة الدينية، وأن الإسلام يؤمن بالدولة المدنية؟ وما هو بالضبط تعريفكم للدولة المدنية؟ وماذا عن بقية مواطني الدولة من أتباع الديانات الأخرى؟ وهل ستقبل دولتكم بتشكيل أحزاب سياسية تختلف معكم أيدلوجيا؟
.. بخصوص النصوص لا جواب حقيقيا، إنما رد لمنظومة الفقه، التي تجعل من حكم الفقهاء حكما إلهيا..! كونها تأتي عن طريق الاجتهاد الديني، ما يعني أن الحكم في دولة المعتدلين، والمتطرفين على السواء هو حكم الفقهاء، حتى لو لم يكونوا هم الرؤساء، والوزراء، فهم منتجو الأحكام، والتشريعات، والتي سيصير اسمها حكم الله..! كونها صادرة عن الموقعين عن رب العالمين..!
مواطنو الدولة من غير المسلمين لن يكونوا كاملي المواطنة، فليس من حقهم الدعوة لتشريعات دياناتهم، إلا فيما يخصهم، لا فيما يخص الدولة، وليس من حقهم تولي مواقع الصدارة، ولا تنافس حقيقي مع الأحزاب المختلفة أيدلوجيا، والدولة المدنية هي تلك التي يحكمها- ظاهريا- رجال السياسة، لكنهم قطعا تحت إمرة فتاوى وتشريعات رجال الدين.
لا حرية تعبير حقيقية، والمخالفون في الرؤى قد يوصفون بالمرتدين، وهؤلاء تجري عليهم أحكام المرتدين..!
لا ديمقراطية، فهي نظام كفري، لأنها تجعل السيادة للشعب، وليس لله..! وكأن الله والشعب نقيضان متصارعان..!
الحريات الفردية مسقوفة بفهمهم لضوابط الدين، والتي قد تدخل في أدق التفاصيل، كون النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقول الرواية: علم الناس كل شيء، ما يعني أن كل التفاصيل دينية، والدولة حامية الدين، وحارسة العقيدة، ورجال الدين مثلها، حراس للدين والعقيدة، وهم من سيحدد للناس هيئة المشي في الطرقات، وطبيعة لبس كل من المرأة والرجل، وما يسمعونه من الفن، وما يتعلمونه في المدارس، وما يجوز لهم أن يكتبوه، ويقرؤوه، وكيف يأكلون، وينامون، وكل شيء، ثم يقولون: إن دولتهم ليست شمولية، وأنهم ليبراليون متحررون، وليسوا متطرفين..!
الحكم بما أنزل الله
هذا الشعار الذي يخفون تحته تفاصيل ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد أنزل الله حديثا عن الشورى، وعن الحرية، والمساواة، والعدل، والمسؤولية الفردية، وبعضا من التشريعات ذات المقاصد النبيلة التي لا يختلف عليها أحد، لو طبقت بمقاصدها، وليس بحرفية رجال الدين.
كل ما أنزله الله- إلا القليل- تعمل به كل الدول الحديثة، دون أن يقف الشيوخ مرجعية لها، ودون الحاجة لوصف الاجتهادات البشرية بحكم الله، ولا وصف تشريعاتها بشرع الله.
الدولة المدنية الحقيقية لا تشارك الله في التشريع الديني لأنها تشرع للدنيا، وهي بهذا الوصف ليست دولة مشركة، الدولة الدينية هي التي تشارك الله في التشريع الديني، لأنها تصف تشريعاتها بحكم الله، فأي الدولتين هي الدولة المشركة؟!!!

المعتدلون، والمتطرفون، كلاهما يريد دولة دينية، وهذه الدولة ليست دولة مواطنة، ولا يحكم فيها الناس أنفسهم، إنما يحكمهم رجال الدين باسم الله..! تخيلوا: باسم الله، وكان أفضل، وأصدق لو قالوا: نريد دولة نحكمها باسمنا، لا دولة نحكمها باسم الله.

  • قيادي سابق في الجهاد الاسلامي
عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق