مثقفون منافقون حربائيون تلفظهم المجتمعات :
بقلم : عماد خالد رحمة . برلين
شاع النفاق عبر سيرورة تاريخية طويلة لا يمكن إغفالها ،هذا النفاق مرتبط بما يعرف بالفلسفة السياسية التي يتبناها الحاكم والقائمين على سلطة البلاد وكيفية الحكم.ونوعية الأساليب والأدوات التي يعتمدها نظام الحكم في إدارة شؤون البشر،والتحديات التي تواجهها السلطات السياسية الحاكمة ،وفي حقيقة الأمر نجد ثلاثة نماذج من المثقفين :
1ـ فئة المثقفين المسالمين الذي ينظرون للحاكم القائم على السلطة على أنه مصدر إزعاج وأذى، والابتعاد عنها أسلم وأكثر أمنا.
2 ـ فئة المثقفين المعارضين الذين يقفون في وجه السلطات السياسية، وينتقدون دورها وأدائها ويكشفون قصورها وعيوبها، ويطالبون بحقوقهم وحقوق الشعب.
3ـ فئة المثقفين المنافقين الذين يظهرون للسلطة الحاكمة عكس ما يكتمون وما يضمرون، ويدلسون طمعاً في السلطة أو الجاه أو المال. ومن المثقفين المنافقين من يبالغ في التمجيد والمبالغة لدرجة تجعل من الزعيم الحاكم الديكتاتوري شخصية كاريزمية استثنائية تملك كل صفات الطغاة، يجب على الناس طاعتها والرضوخ لها والقبول بكل ما يصدرعنها والتسليم بأفعاله وأقواله. ونجد أمثال هؤلاء المثقفين المنافقين في كل مكان على امتداد خارطة الوطن العربي، يتصدرون وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
هناك نوع من المثقفين المرائين – وهم كثر هذه الأيام – يميلون حيث تميل بهم رياح المال والسلطة والجاه، لا يقيمون وزنا لمبدأ أو قيم طالما تغنوا به بالحاكم وأظهروا الدفاع عنه، وأكَّدوا أنهم يفدونه بدمائهم وأرواحهم، وقد أثبت الواقع التي لا حصر لها أنهم من أكثر الناس كذباً ووقاحةً وسعياً وراء شهواتهم المادية والمعنوية. وهذا الصنف من مثقفي السلطة لا يظهرون ولا يبرزون إلا في الأزمات الخانقة التي ترفض المواقف الرمادية التي تعودوا عليها لسنواتٍ عديدة ،فإما أن يقفوا معها وإما أن يقفوا ضدها، ولأنهم من باعة المبادئ والقيم فإنهم دائما ينحازون لما يطلب منهم مادام هناك مشتر يدفع الثمن البخس لكرامتهم.
إن مواجهة النفاق والرياء ومكافحة المنافقين والحربائيين تقتضي بالضرورة تمزيق الأقنعة الفكرية والسياسية والثقافية والدينية والاجتماعية التي يرتديها هؤلاء المنافقين، وهذا يتطلب توفير أجواء من الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والحريات الشخصية بشكلٍ عام، وحض الناس على الإفصاح بكل حرية عن أفكارهم وآرائهم وطموحاتهم وما يرغبون، وتحفيزهم على التعبير عن قناعاتهم ومعتقداتهم ، واحترام ما يقولون دون تدخل من أي جهة أو أي طرف، ودون خوف من عقابٍ لاحق. والقضاء على النفاق والرياء والمخادعة لا يتم إلا في بناء دولة المواطنة الحقيقية، دولة المؤسسات الرصينة التي تستند إلى قوانين وتشريعات ناظمة لحياة المواطنين بشكلٍ إنساني. وتلك المؤسسات هي التي تضمن الحقوق الرئيسية لجميع المواطنين بشكل عادل دون تمييز أو تفريق، وبناء وتعليم ثقافة الاختلاف واحترامها ونشر ثقافة الاعتراف بالآخر على قاعدة الإنسانية واحترام الحقوق الإنسانية والوطنية والقومية لدى الشعوب، والنظر بجدية في المناهج والأنماط والقوالب والأساليب التعليمية، بهدف ردم الفجوة الثقافية المجتمعية الكبيرة بين ما نفكر وما نقول ونفعل.
إننا قد لا نستطيع أن نطالب كل المثقفين بأن يكونواعلى قدر كبير من الشجاعة ويجهروا بمواقفهم دون خوف أو قلق، وقد نقبل منهم أن يلتزموا الصمت توقياً لأي مخاطر يتوقعونها ولا تحسب عقباها، لكننا لا نقبل منهم بأي حال من الأحوال أن يصبحوا أعوانا للاستبداد والطفاة وعيوناً لهم، لأنهم بذلك لا يخونون أماناتهم فحسب،وإنما يخونون شعبهم ومن وثق بهم. ويفقدون شرعيتهم أيضا. قد يعذر المضطروالمكره، لكن المثقف الذي يتطوع لخدمة الاستبداد والطغيان لا عذر له أبداً. وإذا لم يكن بمقدوره أن يكون شريفا وذو كرامة يجهر بالحق والحقيقة وينادي بالعدل ضد الجور والطغيان وينحاز إلى صف الجماهير المغلوبة على أمرها، فإن ذلك لا يسوغ له أبداً أن ينبطح ويصبح خادما للسلطان الطاغي الجائر.