بقلم : عماد خالد رحمة . ألمانيا
إنطلق في مدينة غلاسكو الأسكتلندية مؤتمر المناخ (كوب 26) مباشرة بعد انعقاد قمة روما لمجموعة العشرين، هذا المؤتمر الذي انطلق يوم الأحد 31 تشرين الأول 2021 م، ينظر إليه من قبل العلماء والخبراء المتخصصين والنشطاء على أنه فرصة اللحظات الأخيرة التي من الصعب أن تتكرّر، قبل تطور كارثي قد يشهده كوكبنا الأزرق. ومع ذلك تبقى حالة الانتظار ضعيفة.بخاصة وأنَّ سنة 2021 م شهدت كوارث بيئية عديدة وخطيرة .وكانت فعاليات المؤتمر التي عقدت وسط تحذيرات هائلة من معظم دول العالم، ومن المجتمع العلمي في العالم، من تصاعد أزمة المناخ وتفاقمها بشكل خطير .
وبناء على دعوة الأمم المتحدة، حضرممثلون حكوميون وشخصيات دولية هامة من حوالي 200 دولة، كما شارك في المؤتمر حوالي 25 ألف شخص، من بينهم آلاف الصحفيين ونشطاء حماية المناخ وأعضاء من حزب الخضر من معظم دول العالم لمدة أسبوعين كاملين فقد بحثوا كيف يمكن للبشرية احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري المتسارع إلى مستوى مقبول. الجدير بالذكر أنَّ هناك العديد من منظمات بيئية والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد شكَوا بشكلٍ مسبق من عدم تشديد الكثير من الدول المشاركة لخططها في العامين الماضيين التي بدأت منذ آخر مؤتمر للأمم المتحدة في العاصمة الإسبانية مدريد بما يكفي، وهذا يعني دون أدنى شك تأجيل عملية التخلص السريع من الفحم والنفط والغاز التي أضحت أكثر إلحاحاً للإنقاذ كوكبنا الأزق.
ومن أجل الوصول إلى حل لمشكلة الإحتباس الحراري بشكلٍ نهائي تشترك فيه معظم دول العالم. يمكن وضع العديد من الأهداف. لكن الهدف الأول لقمة غلاسكو بأسكتلندا يتمثل في تباحث السبل لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 نقطة مئوية أي ما قبل مستويات التصنيع، وهو الحد الذي يقول العلماء إنه لهدف الرئيسي لقمة غلاسكو باسكتلندا بعد تأجيلها السنة الماضية بسبب جائحة كوفيد 19(كورونا)،هو ما تم الاتفاق عليه في العاصمة الفرنسية باريس عام 2015 م، الذي كان سيجنب كرتنا الأرضية ومن عليها أكثر عواقب الإحتباس الحراري تدميراً وخراباً. فقد كان المرجو من مؤتمر غلاسكو هو زيادة في الزخم السياسي والمساعي الدبلوماسية الحثيثة لتعويض عدم كفاية الإجراءات والتعهدات الجوفاء التي ميّزت مواقف دول العالم ،كما ميّزت الكثير من سياسات المناخ العالمية.كما كان الهدف المعلن من هذا المؤتمر هو جمع المليارات من الدولارات بغية تمويل مكافحة تغير المناخ والانتهاء من القواعد المتبعة في السابق في سبيل تنفيذ اتفاقية باريس، وذلك بموافقة ما يقرب من 200 دولة وقعت عليها بالإجماع.
وكان أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة قد أوضح صراحةً حين توجه بكلامه إلى قادة مجموعة العشرين في قمتهم بروما قائلاً: (لنكن واضحين – هناك خطر جسيم لن تتصدى له (قمة) غلاسكو لأنّ هناك هناك شكوك جادة إزاء بعضها فما زلنا نتجه نحو كارثة مناخية حقيقية) .
إنَّ الوعود المقدمة لخفض نسب الانبعاثات ستؤدي إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة المعمورة 2.7 درجة مئوية هذا القرن، وهو ما يعتبره خبراء البيئة غير كافيا على الإطلاق ولن يقي الأرض من أسوأ السيناريوهات كارثية مدمرة في العالم .
لقد بدت العديد من الإشارات من عدة دول. أهمها الصين، أكبر مصدر للتلوث في العالم، بأنها ستسرع من التخلص من استخراج الفحم الحجري الذي يسبب الاحتباس الحراري، لكن عرضها هذا ظل غير مقنع. كما لم ترق تعهدات جمهورية روسيا الاتحادية والمملكة العربية السعودية كذلك، إلى المستوى المأمول.لقد شدَّد قادة دول العشرين في روما على ضرورة تخفيف حالة الاحتباس الحراري، بل وقفها نهائياً. فقد ورد في البيان الختامي التأكيد على وقف الانبعثات الحرارية عند حدود 1,5، إلا أنهم لم يقدوموا خططا مدروسة بشكلٍ علمي وعملي لتحقيق هذا الغرض. ومجموعة العشرين الكبار الأغنياء ، التي تضم الصين وألمانيا والبرازيل والهند والولايات المتحدة الأمريكية ، تشكل ثمانين في المئة من مصادر انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم.
لقد اجتاحت مظاهرات الشباب معظم دول العالم ومعهم دعاة حماية البيئة ضد دور المؤسسات المالية في أزمة المناخ العالمية .وسار المتظاهرون القادمون من العديد من دول العالم على رأسها إسبانيا وبلجيكا ومن اسكتلندا نفسها، في وسط المدينة، رافعين لافتات تحمل شعارات هامة بينها (أفعال لا أقوال)، و (عليكم اتخاذ إجراءات الآن!)، و(أوقفوا الطاقات الأحفورية فوراً).
وبعيداً عن جميع التعهدات التي أعلنها العديد من الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ واتفاق باريس للمناخ، سواءً قبل أو أثناء انعقاد مؤتمر الأطراف في دورته السادسة والعشرين (COP-26) الذي انتهى قريباً في غلاسكو الاسكتلندية، بخفض انبعاثاتها الحرارية عبر آلية صفر صافي انبعاثات أبخرة وغازات الدفيئة .فإنّ أهم قضيتين محوريتين في جلسات أعمال هذا المؤتمر ومخرجاته الذي تم الاتفاق عليه بداية تنفيذ اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، هما:القضية الأولى موضوع الوقود الأحفوري الذي تم تخفيف العبارة الخاصة به في ميثاق غلاسكو للمناخ، من عبارة (التخلص التدريجي) (Phasing out) من الوقود الأحفوري، كما كان مقترَحاً في البداية، إلى عبارة (التقليل التدريجي) (Phasing down) منه.والحال أنّ جمهورية الصين الشعبية والهند كانتا قد سبقتا ميثاق غلاسكو باستخدام عبارة التخفيف التدريجي في التعاطي مع الفحم الحجري ( الوقود الأحفوري) تحديداً ،وليس السلسلة الكاملة من الوقود الأحفوري المتنوعة. وكان رأي الهند أن تركيز الاهتمام على فكرة (التخلص التدريجي) من الفحم الحجري، من شأنه أن يؤثر في تنمية دول نامية عديدة، من بينها الهند التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الفحم في توليد 62.6% من الطاقة بحسب ما أعلنه السيد (راج كومار سينغ) وزير الطاقة ،والطاقة الجديدة والمتجددة الهندي. وقد تم التوصل إلى هذه الصفقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ،وجمهورية الصين الشعبية خلف الكواليس، حيث تعتمد الصين على طاقة الفحم بحوالي 70-80% من طاقتها، 45% منها لاستخدام القطاع الصناعي، والباقي يتم استخدامه لتوليد الطاقة الكهربائية. فيما تبلغ حصة الفحم في إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 20%. وكان أن أدى الاهتمام الصريح والواضح بالفحم الحجري (الفحم الأحفوري) إلى إخفاء اعتماد الكثير من دول العالم المتقدم على النفط والغاز المتهمين الآخرين بتلويث الجو، وزيادة الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى الاستخدام المفرط للفحم الحجري، بالمسؤولية عن معظم الانبعاثات الخطيرة . وينطبق هذا بصورة خاصة على دول أوروبا التي ركزت على الفحم الحجري واستثنت الغاز والنفط لأنها تعتمد اعتماداً كلياً على وارداتها من الغاز والنفط.
القضية الثانية : قضية التمويل . ويتضح من مخرجات المؤتمر بهذا الخصوص، أن أكثر التعهدات التي أطلقت لن تجد طريقها للتنفيذ أو للتحقق، لأن تنفيذها بشكلٍ عملي يعتمد على التمويل المالي الضروري. ولكن البيان الختامي المضطرب والذي تضمن العديد من الأفكارالمتباينة المنصوص عليها في كافة اتفاقيات المناخ وعلى رأسها الاتفاقية الأم، اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ UNFCCC. هي حتى الآن فشلت في تأمين مبلغ الـمئة مليار دولار الذي كانت تعهدت بدفعه بحلول عام 2020م ،في مؤتمر الأطراف الخامس عشر في كوبنهاغن عام 2009م ،والذي لن تتم تغطيته قبل عام 2023 م .
لقد انتقد السيد (ناريندرا مودي) رئيس الوزراء الهندي ،الدول الغنية لما اعتبره فشلها بشكلٍ جماعي في تحقيق هدف تمويل قضايا المناخ البالغ مئة مليار دولار في عام 2020م ،وطالبها بدفع تريليون دولار لتمويل حل للخلل الحاصل في المناخ في أقرب وقت ممكن، إضافة إلى نقلها للتكنولوجيا منخفضة الكربون للبلدان النامية.وهذا يعني بشكلٍ صريح أن الالتزامات التي قطعتها الهند في المؤتمر بالنسبة للتقليل التدريجي لاستخدام الفحم الحجري، مشروطة بالتمويل من جانب الدول الغنية العشرون. كما تحتاج العديد من الدول المنخفضة عن مستويات سطح البحر مثل جمهورية جزر مارشال ، وجمهورية جزر فيجي، ودولة أنتيغوا وبربودا، التي تخشى فقدان الكثير من أراضيها بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر، والتي عبرت خلال المؤتمر عن انزعاجها الكبير وامتعاضها من رفض الدول الغنية العشرون مقترح إنشاء صندوق الخسائر والأضرار الذي طالبت به خلال المؤتمر. لكنها ما زالت عازمة على انتزاع هذا الحق في مؤتمر الأطراف القادم الذي سيعقد في العاصمة المصرية القاهرة.