عندما كنت شبلاً
لم يكن يهتم و لا بأي شكلٍ من الأشكال للأوراق المكدسة فوق صندوق فارغ للذخيرة كان يستخدمهُ المقاتلون كمكان لتجميع النشرات و التعاميم التي تاتيهم بكثافة و على نحو مثير .
كان يعلم جيداً بان احداً لم يهتم لتلك الأوراق التي عادة ما كان يستخدمها المقاتلون لنظيف أسلحتهم من بقايا الزيوت المعدنية الخاصة بتنظيف بنادقهم .
كان يستغرب الإصرار غير المفهوم من قبل قيادة الكتيبة على إرسال هذه الكميات الضخمة من الأوراق المصقولة و الموضوعة بعناية فائقة داخل طرود صفراء تشبه تلك الطرود التي تستخدم في مكاتب كبار موظفين السلاطين مع معرفتها المسبقة بالمصير المذل الذي ستلاقيه تلك النشرات و التعاميم المهملة و التي يعود تاريخ بعضها ربما إلى ماقبل ثورة البراق !!!
بعض المقاتلون كانوا يستخدمون تلك الأوراق بما يخالف رغبة صانعيها بشكل لا يمكن الحديث عنه و في بيئة لم يكن يتوفر فيها لا دورات مياه و لا مستلزمات الحضارة و التمدن …
كان يتساءل دائماً عن الجدوى من تلك النشرات التي تتحدث دائماً بطريقة مبتذلة عن البديهيات المسطرة في الواح و وصايا اللاجئون منذ جدهم الكنعاني القديم …
الظلم التاريخي !!! النكبة ! النكسة ! الثورة ! وعد بلفور !! أطماع إمبريالية !! العمق العربي !!! المؤامرة العالمية !!! ماركس ! لينين ! ماو ! كيم إل سونج !! زرادشت !!! نيتشة !!! أبو جعفر !!! أبو ظبي !!! القذافي كتاب اخضر كتاب أحمر أصفر و و و و
و قوائم لا تنتهي لوجبات فكرية مجربة بطول و عرض الكرة الأرضية …
كل ذلك لم يكن ليحرك في داخله سوى الشعور بالملل …
ذات صباح اكد لي صديقي بأن أغنية كانت سبباً في معرفتهِ و إلتحاقة بتلك الكتيبة التي كان يقودها أُمي لا يُجيد القراءة و لا الكتابة …
موسى الصفدي
باب توما ـ 25 / 6 / 2023