إذا قلت “جنين” ثلاث مرات، ولو همساً، ستنبت قريةٌ بين أجساد الشهداء، وسيزيد الأوكسجين في هواء البلاد، وربما دبت الحياة في عروق الشجر الناشف، ولكن الأمر الحتمي، أن هذه المدينة، ومنذ خلق الله الأرض، قررت أن لا تكون مجرد جغرافيا، وضعت وشماً على ساعدها [حُرّم الوشم للأشخاص وليس للمدن]، وحملت أحزان المدن في جيوبها، ومضت إلى الوديان، كل حجرٍ ترونه ملوناً في جبال فلسطين، عليه بصمة جنين، كل طائرٍ يغني في غير موسمه، في صوته جنين، كل شهيد، ولو كان من أقاصي الأرض، ابحث عن نسبه، ستجد ـ ولو قبل مليون عام ـ أن فيه نَسَباً من جنين.
سيقولون: يا لها من مبالغة، وسأقول: فيمن سنبالغ إن لم تكن جنين؟
صباح الخير يا جنين
يا مخبية ف علبة حنين
يا بنت الوجع والنار
وأَمّاية في صحن الدار
وحزن مكتَّم في العينين
صباح الخير
قال الطير
يعبد وعرابة ويامون
وكفر راعي وميثلون
من ريشة في جناح الليل
بنيت عشوش زغاليلي
على برقين مع السيلة
مسّيتك مع الوديان
قباطية وصوت الأذان
مع طلة غصن نعسان
صباح الخير يا جنين
يام أولاد ورود ورود
والعالم عليكي شهود
على غمزة عنيكي السود
ع ميّاتك
ع دمعاتك
يتبارك فيكي الزمن تيسود
صباح الخير يا يمّة
على نبعة وسجرة تين
صباح الخير يا جنين
يا جنين صباح الخير
كل ما رفرف جْناح الطير
صباح الخير على طيرك
على ولادك نواطيرك
يروحو بعيد وين ما كان
ويردولك ولا العرسان
يتمرمغو ف حواكيرك
ما يعجبهم حدا غيرك
صباح الخير يا جنين
على اولادك
على اعيادك
على رشة ملح في عين حسّادك
على الشهدا
لما يورِدو عالعين
ويغنو “إحنا من جنين”
ويطلعو عالسما
مشنشلين بالورد والحنّة
محوطين بعشق فرض
ما هو سُنّة
صباح الخير على ترابك
على احبابك
على المجد اللي قاعد على بابك
بيستنى
ويتمنى
تسمحيلو ولو للحظة يفوت
يتمسّح في أعتابك
ويحكي كل اللي مسكوت
يكتب سطر في أول كتابك
صباح الخير يا حرّة
يا درّة
يا ام الدمعات المرّة
رح يرجع الليل يصفالك
ويرد الخيل خيّالك
عن يمينك نور
والشهب على شمالك
رح ترجع الوديان تفيض
ويرف الطير على جبالك
ما في غناوي بهالسما
إلا لك…
