كان السياق الأخير الوقح، الذي يتمثل في الكلام العلني عن “عقاب غزة”، معطوفاً على سياقين قبله، لدى عباس، وهما سياق التشاؤم من ذكرى القامات المؤسسين ورموز الحركة الوطنية، وسياق التمكين المتعمد لحفنة من المناطقيين، من بينهم مسؤول العسس العباسي، الذي قطع على نفسه عهداً منذ سنوات، بأنه حين ينفخ الله في بالونه، على الرغم من ضآله إمكانياته الذهنية، لن يجعل في السفارات أي شخص له علاقة بغزة، والشهود جاهزون للإدلاء بشهاداتهم على هذا الكلام، أمام أي قضاء نظيف.
ذلك الصغير الواهم، مسؤول عسس عباس، يرسل الى السفارات تحت عنوان الأمن، من يترصدون الفلسطينيين ويتربصون بالسفراء المحترمين، الذين يستهدفهم. ويرفض بعض الكادر الأمني المحترم والمهمّش، مثل هذه المهام القذرة، فيصبح عرضة للتضييق والى اللعب من وراء ظهره في الساحات نفسها, قبل الإحالة الى طابور القاعدين.
يُرسل الى سفاراتنا في أوروبا التي باتت في مرمى العسس الكيدي، أحد الهلافيت، ويكون أميّاً في الغالب. وأول ما يصل الى السفارة، يبدأ في استغلال الصفة الديبلوماسية لانتهاك كل ضوابط العمل، وسرعان ما يتضح أنه جاء للتربح على حساب سمعة بعثاتنا، ولكي يترصد الفلسطينيين وسفيرهم، وليس للعمل الأمني الوطني. وبالطبع يبدأ هذا السياق سريعاً، وتنتفي المهمة الأصلية، ويتصرف واحدهم بمنطق أنه ظل الحكومة وأن رئيس العسس في رام الله هو المعادل الموضوعي للقضاء والقدر. وفي الجزائر يجري ابتزاز الطلبة وتطبيق سلوكيات الاحتلال عليهم، بالاستدعاءات والتهديدات.
على طريق ضغينة عباس المُعتقّة حيال الرموز والقامات، وضغينته لغزة وأهلها وسكانها، وضغينة أهل التنسيق الأمني حيال الباسلة غزة وكل من شرب من مائها، تمت إحالة اثنين من السفراء الى التقاعد المبكر جداً، رغم أن هذين السفيرين، يؤديان وأجباتهم بشرف، وكل ذنبيهما أن إسميهما يُذكّران عباس بطيف القائد محمد يوسف النجار، وطيف الرمز الوطني عبد الله الحوراني. فهما نجلان للراحلين الكبيرين!
ياسر محمد يوسف النجار، أشبعوه إقصاءً، وبصعوبة أرسلوه الى بلد لا يزوره أحد، وهو جمهورية ألبانيا، لكي يظل بعيداً عن مدى التذكير. وياسر هذا، هو وإخوته أطلق العدو الرصاص على أبيهم وأمهم، القائد أبو يوسف النجار، أمام أعينهم، وقد أرسل ياسر في أول شبابه، مبتعثاً من بلد عربي يحترم الشهيد الرمز أبو يوسف، لكي يتلقى تعليماً جيداً في أمريكا، ضماناً لأن تستعيد الأسرة بعض عافيتها بعد الفقد الفادح. وكمتعلم تعليماً راقياً، تدرج ياسر في الوظيفة، وابتُعث سفيراً، وأدى ياسر دوره بشرف. فهو يتمثل سمعة أسرته ووصية أبيه.
أما عمرو، نجل الراحل الكبير عبد الله الحوراني، فهو الذي رضع الثقافة الوطنية صغيراً، وتدرج في الوظائف، وابتُعث سفيراً وظل صامتاً بطبيعته متعففاً عن الثرثرة الفارغة. لقد طُرد هذا الشاب من عمله، وظل معلقاً لا هو متقاعد ولا عامل ولا مهمة يؤديها.
التكتيك الذي اتبعه رئيس عسس عباس، هو أن يرسل الى كل سفير مستهدف، عنصر أمن هلفوت وفاسد يشتغل عليه ويلفق التقارير الكيدية التي يكتبها له آخرون بالقطعة، ويتلقى الهلفوت راتباً بألوف اليوروهات وموازنة، خصماً من خبز الفقراء ومن مال الرواتب المسطو عليها، والرواتب التقاعدية المسروقة من أصحابها الذين ادخروها.
ياسر النجار وعمرو الحوراني، شابان مهذبان. مشكلة كل منهما أنه لا يعترف بأهمية السفاهة في وقتها وفي موضعها مع السفهاء ومع الذين يقفون وراءهم. وبصراحة، كان محسوبكم بلا مؤاخذة، عندما يصادف في السفارات أياً من هؤلاء الرمم؛ ينقع لسانه في المجاري ويرش عليهم قبل أن يهجم ليشحط الرمة الى خارج السفارة، قائلاً له:”روح الله يلعن أبوك على أبو اللي بعتك”!
أما في المراسلات مع عباس نفسه، فقد قلنا كلاماً ينبغي أن يكون عادياً لكنه يعتبر اليوم، بمعايير مركزية عباس، من عجائب الدنيا، ويشهد على ذلك الكادر الحي الذي عمل معي في السفارات وقرأ ما كتبت لعباس عن تجاوزاته!
للأسف، السفيران عمرو وياسر لا يفعلان ذلك ولا يمتلكان ميزة السفاهة في وقتها. فالنطق سعد، وهما سعيدان بنطقهما المهذب، ومحسوبكم تعيس ببعض نُطقِه!
وللتنوية، هناك عدد قليل من السفراء الذين لهم دالة على عباس، وهؤلاء مشهود لهم بوقاحة الفجور والإثراء الحرام الذي لا تخطئه عين الأعمى ولا يخطيء سياقاته ووسائله اي متابع. المفارقة الطريفة، أنهم كلما أعربوا عن رغبتهم في ترك الوظيفة الديبلوسية بعد أن أُتخموا وجاوزوا سن السبعين، وأصبح هدفهم هو الاستمتاع مع أولادهم وأحفادهم، بما نهبوه؛ يكون جواب عباس ترضيتهم وتعيينهم سفراء في الأماكن التي اختاروها للاستمتاع وقضاء بقية أعمارهم!
الحقيقة ليست هذه روايتي عن السفارات.. فروايتي طويلة ومتفرعة، أما هذه السطور فهي محض تعليق على إحالة سفيرين الى الفراغ، دونما سبب، وهما يؤديان واجبيهما بكفاءة، بينما سفراء فعلوا السبعة وذمتها وتجاوزوا السن، يجري تثبيتهم وإحياء عظامهم وهي رميم، أو تعزيز دورهم في سفاراتهم لكي يؤدوا مهمة توسيع الفجوة بين شعبنا في شتاته، والحركة الوطنية. إن هذا سياق ملعوب ومخطط له، وفيه تعيين سفراء لا سابق لهم أن عملوا في القطاع الديبلوماسي واتضح أنهم ندماء نجل السيد الرئيس شركاء سهراته، وأحد هؤلاء مدرج لدى مؤسسات السلطة نفسها كأحد مسربي الأراضي للاحتلال، وأرسل سفيراً الى بلد مهم، لأسباب نعرفها. كل هذا والمساكين يقولون إن عباس يكافح الصهيونية ويعاند ترامب، بينما القرائن على الأرض، تناقض هذا المنطق القاصر!
سفيران أحيلا الى التقاعد المبكر ,,, كتب عدلي صادق
