حروب المهاجرين السرية والعلنية

24 نوفمبر 2021آخر تحديث :
حروب المهاجرين السرية والعلنية

بقلم : عماد خالد رحمة

ما زال العالم يشهد حالات من النزوح واللجوء من بلدان اتشحت بالسواد والقتل والدمار والخراب، إلى بلدانٍ فيها الأمن والأمان والطمأنينة. هذا اللجوء الذي نشهده وصل إلى أعلى المستويات في التاريخ، فقد نزح أكثر من 70 مليون وثمانمائة ألف شخص اعتباراً من نهاية العام 2018 م، بسبب الصراعات والنزاعات الحادّة والظلم والاضطهاد. ومن بين هؤلاء النازحين واللاجئين المهجّرين من ديارهم، هناك ما يقرب من ثلاثين مليون لاجئ. وأكثر من نصفهم ،تقل أعمارهم عن 18 عاماً. إضافةً إلى وجود ملايين الأشخاص عديمي الجنسية الذين تم استهدافهم من قِبَل حكومات ومنظمات وأحزاب ودول . هؤلاء الأشخاص الذين تم حرمانهم من جنسيتهم وحقوقهم الأساسية (البدون) وحرمانهم من التعليم ، والرعاية الصحية ، وحق العمل وحرية التنقل. من هنا اعتبر القانون الدولي قضية اللجوء والتهجير القسري من أكثر القضايا التي تواجه المجتمع الدولي برمته. لأنَّنا نجد فئة من النازحين واللاجئين من الناس هي الأكثرعرضة للمعاناة والقسوة والظلم والقهر في وطننا العربي. سواء كان ذلك بسبب الصراعات والنزاعات المسلحة أو الاضطهاد أو أنواع أخرى من انتهاكات حقوق الإنسان .
هذه القضية والهامة من حياة البشرية تحتاج إلى النظر إليها دولياً من أجل إعادة تقييم التحديات التي تواجهها.فعلى الرغم من أن الحماية الدولية للاجئين والنازحين كانت تتم بشكلٍ سلبي في الماضي، إلا أنّ الكثير من إجراءات الحماية لهؤلاء اللاجئين والنازحين قد تحرّكت الآن في اتجاهٍ آخر، حيث تقوم على خطط ونهج شامل لمشاكل اللجوء والتهجير القسري في العالم، خاصة عند ظهور تحديات كبيرة جداً غير متوقعة. وفي مواجهة قضايا اللاجئين المتفاقمة، ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو التحديات الكبيرة الناجمة عن زيادة الصراعات والنزاعات المسلحة، وكذلك التحديات الطبيعة المتغيرة للنزاعات الدولية والإقليمية والمحلية، وزيادة تحركات السكان وانتقالهم من مكان لآخر .والتحديات العامة التي تواجه العمل الإنساني . فقد فشل المجتمع الدولي بكل ما يملك من إمكانيات في تقديم الدعم المالي اللازم إلى المفوضية وإلى البلد المضيف. وكانت الأمم المتحدة قد أقدمت على وضع اتفاقية خاصة باللاجئين، تُعرف أيضًا باتفاقية عام 1951 م وهي اتفاقية متعدّدة الأطراف برعاية هيئة الأمم المتحدة تُعرّف لفظة (لاجئ)، وتحدّد حقوق الأشخاص الذين يُمنحون حق اللجوء، بالإضافة إلى مسؤوليات الدول التي تستقبل اللاجئين وتستضيفهم على أراضيها . كما تحدّد الاتفاقية من هم الأشخاص الذين لا يعتبرون لاجئين، كمجرمي حرب على سبيل المثال لا الحصر. بالإضافة إلى ذلك، تمكّن الاتفاقية بعض الأشخاص من السفر من دون الحاجة إلى تأشيرة سفر من خلال وثائق سفر صادرة بموجب هذه الاتفاقية من الدولة المضيفة. وعلى الرغم من أنَّ الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين قد وقّعت في العاصمة السويسرية جنيف،ولا يجوز أبداً إطلاق اسم (اتفاقية جنيف) عليها، نظرًا إلى المعاهدات الأربع التي تنظر في النزاعات المسلّحة والتي تُعرف على نحو أفضل باتفاقيات جنيف الأربع.
الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين ترتكز على المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948 الذي يقر إقراراً صريحاً بحق الأشخاص بالسعي إلى اللجوء ،هرباً من الاضطهاد والظلم والقهر إلى دول أخرى. حيث يحق للاجئ أن يتمتع بالكثير من حقوق ومزايا ما في الدولة المضيفة ،بالإضافة إلى تلك المنصوص عليها في بنود الاتفاقية.
الجديد في الأمر أنَّ العديد من دول أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا تعيش وضعاً خاصاً واستثنائياً، فهي على تماس حدودي مباشرمع معسكري جمهورية روسيا الاتحادية ،وحلف شمال الأطلسي (الناتو) المتصارعين على النفوذ والتوسع والتمدّد كلٌ على حساب الآخر. وتقع على هامش هذا الثلاثي الذي يعيش حالةً من الإرباك تلك ،دول البلطيق الثلاث الصغيرة المساحة والتأثير الكبير على الصعيد الدولي، التي بقيت على الدوام مسرحاً واسعاً وملتهباً للعمليات الحربية التي تدور بين القوى العسكرية الكبرى. فهي تعيش على حافة خطرة من العالم ، كما تعيش وسط مخاوف كبيرة لا تنتهي. وتخوّف من إمكانية نشوب حرب جديدة ربما تكون مدمِّرة بشكلٍ مفاجئ أو عن طريق المصادفة كما يقول (بن والاس) وزير الدفاع البريطاني.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية تردَّدت كثيراً عبارات الحشود العسكرية، والاستنفار، والرصد العسكري والاستخباراتي ، والحرب التقليدية على لسان قادة عسكريين ومسؤولين سياسيين كبار، بينهم قادة الدول الثلاث وأيضاً من القادة الكبار لمعسكرات الدول المتصارعة في جمهورية روسيا الاتحادية، وبلجيكا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. أما القضية التي أثارت حديث الحرب هذه المرة ،كانت عدداً من المهاجرين تقول تقديرات إن عددهم لا يتجاوز 2000 شخص، بينما تؤكد إحصاءات دولية أخرى أنهم أكثر من 7000 شخص.
أما ما جرى في بداية العام 2010 م منذ بدء الحراكات الشعبية في وطننا العربي والتي أطلق عليها (الربيع العربي) فقد أنتج ملايين اللاجئين والنازحين الذي تم إجبارهم على الهروب من بلدانهم نتيجة الحروب الطاحنة باتجاه الدول الأوروبية ،وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي .التي تم إغراقها بالهاجرين، والتي أدّت بدورها إلى مشكلة جديدة أشبه بالبركان الذي يهدِّد بتفجير أزمات كبيرة جداً، وفي أكثر من بلد. وآخر هذه الأزمات تلك التي شهدتها مؤخراً الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، كما ذكرنا آنفاً. فقد حاول آلاف اللاجئين العراقيين والسوريين والأفغان والصوماليين العبور إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما تصدت له الحكومة البولندية حيث نشرت قوات من الشرطة والجيش إضافية على حدودها مع بيلاروسيا، متهمة مينسك عاصمة روسيا البيضاء وأكبر مدنها. وهذه المدينة تعدّ مقراً لاتحاد الدول المستقلة. بافتعال هذه الأزمة، ومحذّرة من تحوّل التوتر الذي بدأ يتفاقم بين البلدين إلى نزاع مسلح، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حصل في العام 2015 م .
وعلى الرغم من أنّ عنوان الأزمة الحالية بين بولندا وبيلاروسيا هو قضية اللاجئين، إلّا أنّ أحداً لا يستطيع إنكار استغلال مأساة اللاجئين وظروفهم اللا إنسانية الصعبة جداً ،كأوراق ضغط يستخدمها البعض لتنفيذ أجندات أخرى، وتصفية حسابات قديمة، وأنَّ زج مشكلة اللاجئين في الشؤون السياسية بين الدول وهي مشكلة إنسانية كبيرة هو أمرٌ لا أخلاقي أولاً، كما أنّه غير قانوني ثانياً .
منذ بدء الأزمة لم تتوقف بولندا والاتحاد الأوروبي عن اتهامهم لبيلاروسيا بالمسؤولية المباشرة عن الأزمة الجديدة لا تبتعد كثيراً عن استغلال قضية اللاجئين، وهي قضية إنسانية، لتصفية حسابات سابقة بين جمهورية روسيا الاتحادية الحليف الأقرب لبيلاروسيا والدول الأوروبية، والقريبة من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو). مع العلم أنَّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان قد وضع العديد من الخطط من أجل اقتناص الفرصة للتغلغل في الدول والمناطق القريبة من روسيا، وهو أمر تنظر إليه روسيا بعين الريبة والشك والقلق، وهو موقفٌ مبرَّر، لا سيما مع نفي وزارة الدفاع البلاروسية بشدة للاتهامات البولندية بأنّ مينسك كانت وراء الأزمة بين البلدين.فقد أشارت الوزارة في بيانها، إلى أنّ الجانب البولندي، يقوم بتسييس الوضع عن عمد. وأوضحت أنه تم ، بمبادرة من الجانب البولندي، عقد لقاء في وارسو بين أليكسي بورتنيك الملحق العسكري في سفارة بيلاروس في بولندا، مع ممثلين عن وزارة الدفاع البولندية لبحث موضوع (الانتهاكات المزعومة) ـ حسب بيان الوزارة ـ للحدود البولندية من قبل العسكريين البيلاروسيين وتورطهم في أزمة الهجرة.
كما أن إلكسندر لوكاشينكو الرئيس البيلاروسي الذي لم يتردد في الإعلان عن مساعدة بلاده للاجئين، وهو أمر مشروع أخلاقياً وقانونياً ،كان قد نفى نفياً قاطعاً في الوقت ذاته أن تكون بلاده قد وجهت الدعوة لهؤلاء اللاجئين، مؤكداً أنَّ بيلاروسيا لم ولن تحتجز لاجئين على الحدود، وأنه لا يريد أن يسلك هؤلاء طريقهم عبر بيلاروسيا، فيما اتهم الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا بدفع اللاجئين إلى حدوده الشرقية من أجل تقويض الأمن القومي العام لدول الاتحاد الأوروبي ، وهي التهمة التي تنفيها بيلاروسيا التي كانت في حلف وارسو يوماً ما .
من هنا نعود في ذاكرتنا إلى الوراء قليلاً لنجد أنَّ موقف الاتحاد الأوروبي ما زال يشكك في شرعية الرئيس البيلاروسي إلكسندر لوكاشينكو وما زال يفرض عقوباته القاسية ويهدِّد بمزيد من العقوبات.
خلاصة الأمر مهما كانت الصراعات والنزاعات بين الدول لا يمكن استغلال اللاجئين وقضيتهم الإنسانية . والمفوضية العليا للاجئين كانت تؤكد وما زالت على أنَّ إغلاق الحدود في دول الاتحاد الأوروبي لوقف المهاجرين والمهجّرين أمرٌ غير إنساني وغير أخلاقي وغير قانوني .

المصدرالكاتب للمركز الفلسطينى الأوروبى للإعلام
عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق