بيان الاتحاد الأوروبي بشأن غزة انعكاسُ تاريخهم الإستعماري التاريخ: 13/05/2019
عندما قرأت بيان الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية، فيدريكا موغيريني، الصادر بتاريخ 5/5/2019 الساعة 17:11 بشأن، تصعيد غزة المستمر، الذي نُشر خلال الهجوم العسكري الذي شنَّه جيش إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، على السكان المدنيين في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، قفز إلى ذهني المستعمر الأوروبي وتاريخه الدموي الذي سبق وأن أشرت له ورقة منشورة بعنوان “عالمية حقوق الإنسان وتاريخ أوروبا الأكثر دموية”. إنها أوروبا، على حقيقتها، أوروبا التي استعمرت الشعوب، وامتهنت تجارة العبيد، وأنشأت ودعمت الأبارتهايد في جنوب إفريقيا وفلسطين، وما زالت فيزياء الأبارتهايد ماثلة أمام أعين العالم. أود تذكير الساسة الأوروبيين، أنهم مستعمرون، وأن نهج المستعمر لم يفارق مُخيلتهم، ماضياً وحاضراً، وأنهم مارسوا تجارة العبيد (الأفارقة) منذ القرن الخامس عشر عندما كانوا يُرسلونهم قسراً إلى العالم الجديد (أمريكا) تلك التجارة اللاإنسانية التي تمتهن الكرامة الآدمية، مارسها الأوروبيون والأمريكيون؛ مارستها إسبانيا وبريطانيا والبرتغال وفرنسا وهولندا والدنمارك وغيرهم، ومعهم المستعمرات الأمريكية (العالم الجديد) جميعهم مارسوا تجارة البشر. وأود تذكير الساسة الأوروبيين، المستعمرين، باستعمارهم للسكان الأصليين، الذي جاء مع “اكتشاف” كريستوفر كولومبوس، الرحّالة الإيطالي، للعالم الجديد (أمريكا) في رحلته الثانية عندما اكتشف أرض القارة الأمريكية الشمالية عام 1498، وبالاتفاقية التي وقعها كولومبوس مع ملوك الإسبان ومُنح على إثرها رتبة “أمير البحار والمحيطات” بقرار ملكي إضافة إلى ما نسبته 10% من الذهب والبضائع التي يُحضرها معه (أمير البحار والمحيطات) وبدون ضرائب. اعتبر الأوروبيون ولاحقاً الأمريكيون أن اكتشافهم هذا يمنحهم (كمستعمرين) حق السيطرة على الأرض الجديدة، وبسط نفوذهم الإستعماري على سكانها، كما لو أن سكانها الأصليين ليسوا بشراً في ثقافة هؤلاء المستعمرين، ولأنه كان لديهم مشكلة فيما يبدو بأن الأرض التي اكتشفوها عليها بشر، هم السكان الأصليون، لم يتردد أولئك المستعمرين في قتل أعداد هائلة من السكان الأصليين (البشر) وهم بذلك يُسَطّرون للعالم تاريخهم القبيح وثقافتهم الدموية. الحرب العالمية الأولى، نَشَبَت بداية في أوروبا بتاريخ 28 تموز 1914 وانتهت في 11 تشرين الثاني 1918، وشارك فيها أكثر من 70 مليون عسكري، منهم 60 مليون من الأوروبيين، ولقي فيها أكثر من 7 ملايين مدني، وأكثر من 9 ملايين مقاتل عسكري، مصرعهم نتيجة الحرب، التي عكست فِكر الهيمنة الأوروبية والرغبة في السيطرة على العالم (عقلية المستعمر) ومع انتهت الحرب، وما خلَّفته من فظائع هزّت ضمير البشرية، وقَسَّمَت أوروبا التي لم تعرف الوحدة ماضياً وحاضراً، بدأت أوروبا في حساب الأرواح البشرية من ضحايا الحرب المدمرة (ضحاياهم) واتفقوا على عدم تكرار مشهد الدماء، والجنون الذي اجتاح العالم، وكأن العالمَ مسؤولٌ عن حروبهم وطموحهم الاستعماري الدموي. كانت الحرب العالمية الأولى، بمثابة استراحة، استعداداً للحرب العالمية الثانية، وهي الأكثر دموية من حيث عدد القتلى، واختلفت التقديرات في أعداد قتلاها من المدنيين والمقاتلين العسكريين، وقد وصل العدد الإجمالي التقريبي لأعداد القتلى المدنيين في تلك الحرب ما بين 19 إلى 30 مليون إنسان، علاوة على القتلى المدنيين بفعل المجاعة والأمراض التي نجمت عن الحرب الذين وصل عددهم التقريبي بين 19 إلى 20 مليون إنسان. فيما العدد التقريبي لمجموع القتلى، وإن اختلفت التقديرات، كان بين 60 إلى 85 مليون إنسان. وقد بلغ العدد الإجمالي للقتلى في صفوف المقاتلين العسكريين بين 22 إلى 30 مليون؛ ولأوروبا النصيب الأكبر بطبيعة الحال، وكان ترتيب الدول الأوروبية المشاركة في الحرب، بحسب حجم عدد القتلى العسكريين لديها، كالتالي “ألمانيا النازية، بريطانيا، أيطاليا، رومانيا، فرنسا، فنلندا، كندا، اليونان، هولندا، بلجيكا، نيوزيلاندا، النرويج، الدنمارك …”. إضافة للولايات المتحدة الأمريكية التي كان عدد قتلاها العسكريين نحو (407,000) وهو أقرب لعدد القتلى العسكريين البريطانيين (383,800). انتهت الحرب في أوروبا، بغزو الحلفاء لألمانيا، وسيطرة الاتحاد السوفييتي على برلين، والاستسلام غير المشروط من ألمانيا في 8 آذار 1945 وعقد مؤتمر بوتسدام قرب برلين وصدر خلاله إعلان بوتسدام في 26 حزيران 1945، وقد قامت الولايات المتحدة في 6 آب 1945 بإلقاء قنبلة نووية على هيروشيما وفي 9 آب 1945 بإلقاء قنبلة نووية على ناغازاكي، وتبع ذلك استسلام اليابان في 15 آب عام 1945. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، وفوز الحلفاء في حرب دامية في تاريخ الحروب في العالم، شكّل الحُلفاء محاكم دولية، على أرض المهزومين في الحرب، وحاكموهم. لم تكن حربين عالميتين، وإنما حربين بين الأوروبيين، إلاّ إذا اعتبرتهم أيها المستعمرون الأوروبيون أنكم قد أصبحتم العالم. وقد شكلت الحروب، فرصة سانحة لكم للتركيز أكثر على صناعة الأسلحة الفتاكة، التي تُسَوّقونها اليوم لاستمرار القتل والدمار، وإيجاد موطىء قدم لكم على دماء الضحايا المدنيين، وبخاصة في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا ليس غريباً على ثقافتكم فقد مارستم القتل والأبارتهايد وتجارة العبيد. لا أتوقع، من مستعمرين، أن يعتذروا، لأنهم أعطوا أرضاً، ليست لهم، لقوة احتلال، لن يعتذروا على وعد بلفور وما خلفه من مآسٍ ولجوء، لأنهم مَن صَنَعَ المأساة التي جعلت السكان الفلسطينيين الأصليين ينظرون ماضياً وحاضراً بحسرة صوب بيوتهم المحتلة، وفي أيديهم مفاتيح العودة، وفي عقلهم ووجدانهم حُلمٌ جمعيٌ بالعودة، يتناقله الفلسطينيون، كحق أصيل في القانون الدولي، وبوصلة حق تقرير المصير، للشعب الفلسطيني، غير القابل للتصرف. إنهم، مستعمرون، والمستعمر لا يعتذر عن جرائمه .