ايطاليا حكومة يمين وسط مُقَيدة بقلم بسام صالح

3 أكتوبر 2022آخر تحديث :
ايطاليا حكومة يمين وسط مُقَيدة بقلم بسام صالح

ايطاليا:حكومة يمين وسط مُقَيدة
بقلم بسام صالح
نتائج الانتخابات الايطالية الاخيرة لم تفاجىء المواطن الايطالي، بل كانت مسلم بها، وكانت النتيجية هي تاكيد شعور الغالبية من المواطنين الايطاليين، الذين توقعوا فوز جورجا ميلوني “حزب اخوة ايطاليا” ، بسبب الغياب المطلق للاحزاب الحاكمة، وخاصة الحزب الديموقراطي بقيادة انريكو ليتتا. هذا الغياب اثار حماس “السياديين” و”الشعبويين” من اليمين الاوروبي وحتى خارج اوروبا، وما تصريحات زعيمة اليمين الفرنسي مارين لوبان التي تحدثت عن حكومة ايطالية قادمة “قومية وذات سيادة”، كما هي تعليقات حكومة بولسينارو اليمينة المتطرفة في البرازيل، والتعليقات الايجابية للفاشيين الجدد في اسبانيا بقيادة فوكس Vox ، والعديد من حكومات اليمين الاوروبي المحافظ في جمهورية التشيك وبولندا وحزب كراهية الاجانب اليميني في السويد، بينما موقف حكومة اوربان في المجر كان اكثر وضوحا، معارضة سيئة لارسال الاسلحة الى اوكرانيا والعقوبات على روسيا التي فرضها الاتحاد الاوروبي، اذ اعربت عن املها في حكومة ايطالية جديدة تعمل من اجل السلام والانتعاش الاقتصادي لاوروبا والتخفيف من ازمة الطاقة الناجمة عن التوترات الدولية بين حلف شمال الاطلسي وروسيا والعقوبات. ومن اسرائيل تهنئه اولية من نجل نتنياهو عبر تويتر.
لئن كانت هذه أمال اليمين الاوروبي والغير اوروبي، فان الواقع يوحي بانها امال وتوقعات في غير محلها. فالبيانات والتصريحات التي ادلت بها ميلوني و مساعديها قبل الانتخابات، حول المسؤولية والولاء المطلق لحلف شمال الاطلسي، يتضح ان سياسة ميلوني ستأخذ مسارا اجباريا لن يختلف في جوهره عن حكومة ماريو دراجي السابقة والحزب الديموقراطي، وهذه السياسة تقوم على مبادىء ثلاث اساسية: الولاء المطلق للولايات المتحدة الامريكية وحلف شمال الاطلسي، واستمرار الدعم العسكري النسبي غير المشروط للحرب الجارية في اوكرانيا، وتشديد العقوبات ضد روسيا الاتحادية حتى لو اضرت بالمصالح الايطالية. وثانيا الالتزام غير المشروط بالانظمة الاطلسية والليبرالية الجديدة للاتحاد الاوروبي، بهدف التحايل على التهديدات والابتزاز الاقتصادي للاتحاد الاوروبي ضد ايطاليا. ثالثا الالتزام بأوامر البنك الدولي والقوى الراسمالية .
وعليه لم يكن مستغربا ان يقوم رئيس الحكومة المنتهية مدته ماريو دراجي بفرض جدول الأعمال القادم على جيورجيا ميلوني وارساله إلى الاتحاد الأوروبي. رئيس الوزراء المنتهية ولايته يعمل بالفعل على مهمته الأخيرة والمتمثلة في إنشاء شخصية مشابهة له أوروبيا. وفقًا لما أوردته صحيفة، la Repubblica التي نقلت عن مصادر دبلوماسية من باريس وبرلين وبروكسل ، فقد اتصل دراجي بالفعل بماكرون وشولز وفون دير لاين للحديث عن مستقبل إيطاليا في أوروبا. سيتعين على جيورجيا ميلوني “دعم أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي وعدم اطلاق العنان امام الدين العام”. هذا الأخير هو طلب متضارب عندما يفكر المرء في ارتفاع سعر الغاز والمساعدات العسكرية الباهظة لأوكرانيا. علما انه في الأشهر الخمسة عشر الأولى من حكم حكومة دراجي، وفقًا لبنك إيطاليا، نما الدين العام الإيطالي بمقدار 116 مليارًا.
“دعم أوكرانيا حرة ومستقلة، واحترام حقوق الإنسان وبناء مستقبل اقتصادي مستدام” هي من بين القضايا المطروحة على جدول الأعمال، وكررها وكيل وزارة الخارجية الأمريكية بلينكين في رسالة التهنئة التي بعث بها إلى ميلوني. تعهدت السياسة بقبول هذه الشروط ، لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ إيطاليا. الهدف الأول هو دعم الالتزام تجاه أوكرانيا والحفاظ على العقوبات ضد موسكو موحدة. ثم هناك حديث عن ارتساء مستقر لحلف الناتو وعدم اجراء اي تحولات / نقل في الموازنة لإبقاء الدين العام تحت السيطرة. كما أعلنت الحكومة الأمريكية بالفعل أنها لا تخشى فوز إخوة إيطاليا ، معلنة على لسان وكيل وزارة الخارجية: “نحن حريصون على العمل مع أي حكومة منبثقة عن الانتخابات الإيطالية. ، لتعزيز قيمنا المشتركة “. بينما كان موقف روسيا الاتحادية أكثر حصافة ، حيث أنه مستعد للتعاون “مع الحكومات التي تثبت أنها بناءة تجاه روسيا”.
تجدر الاشارة الى ان حزب، أخوة إيطاليا – على الرغم من بعض الحنين الأيديولوجي للفاشية (التي كانت الحجة الوحيدة التي استخدمها انريكو ليتا سكرتير الحزب الديموقراطي في حملته الانتخابية الفاشلة، والتي لم يتمكن فيها من تقديم برنامج متماسك يمكنه التعامل مع القضايا الدراماتيكية التي تواجهها البلاد) – هو الآن حزب محافظ في الأساس. وتشير دراسات اجتماعية دقيقة، يمثل مجموعة الطبقات الوسطى المنتجة في الوسط الشمالي الايطالي العاملون لحسابهم الخاص برقم ضريبة القيمة المضافة، وأصحاب المشاريع الصغيرة، والموظفون، وكذلك العمال وغيرهم من العمال الذين يخشون المنافسة من المهاجرين، الخ، الذين يخدعون أنفسهم بأنهم يدافعون عن مواقفهم في مواجهة الأزمة الوشيكة.
من ناحية أخرى، نجد حركة 5 نجوم الصاعدة التي تحررت من ثقل المغامر وزير الخارجية المنتهية مدته لويجي دي مايو وانتهى به المطاف خارج البرلمان رغم تحالفه المحرج مع الحزب الديموقراطي PD ، حركة 5 نجوم (15.5% وخسرت اكثر من6 مليون صوت ) وجدت حياة جديدة في الدفاع الجزئي عن الدخل المحفوف بالمخاطر. والمواطنون الذين يعانون من نقص العمالة موجودون قبل كل شيء في العديد من مناطق الجنوب، وهو أيضًا الحزب الوحيد في البرلمان الذي أثار بعض الشكوك حول مدى صحة إرسال أسلحة أقوى لتأجيج الحرب في أوكرانيا ، والذي يحذر –على لسان جوزبي كونتي رئيس الحركة – من المخاطر الدراماتيكية التي يمثلها التصعيد المستمر.
بشكل عام، فإن السياسة الإيطالية، سواء تلك الخاصة بالأحزاب الفائزة في الانتخابات، أو تلك الخاصة بالأحزاب التي ستشكل المعارضة الأكثر تقليدية واعتدالًا) مثل PD أو ربما حزب كاليندا حليف رينزي المنشق عن الحزب الديموقراطي او حركة 5نجوم)، تبدو غير قادرة على تقييم الأخطار الدراماتيكية والمشاكل التي تواجه ايطاليا.
السياسة الايطالية وبغض النظر عن لون وشكل الحكومة، لن تخرج عن المبادئ الثلاثة المشار اليها، واستمرار رفضها او دعمها لاي دعوة للحوار مع روسيا الاتحادية من اجل التوصل الى حل ينهي النزاع القائم والذي بدأ يهدد بحرب نووية، وازمة طاقة لم يسبق لها مثيل في اوروبا وهي الان على ابواب شتاء لا يرحم، ستواجه ايطاليا تناقضا بين ما اعلنته الفائزة بالانتخابات والرئيسة المتوقعة للحكومة القادمة جورجا ميلوني باول تصريح علني لها بعد الانتخابات بانها ستعمل على حماية المصالح القومية اولا، علما ان روسيا اعلنت وقف امداد الغاز لايطاليا قبل يومين فقط وهذا يعني ازمة اقتصادية حادة وتضخم و اغلاق المصانع وزيادة البطالة وارتفاع الحياة المعيشية للمواطن الذي لم يعد قادرا على تسديد فواتير الكهرباء والغاز، وايطاليا كما يريد الاتحاد الاوربي تصر على زيادة العقوبات على روسيا! عواقب هذه المواقف لا يمكن التنبؤ بها، مما يثير الكثير من الشكوك حول مقدرة حكومة محافظة واطلسية على التعامل مع الوضع القادم بالشكل الملائم.
تداعيات ما بعد الانتخابات
بعد الاعلان عن النتائج النهائية والتي اظهرت خسارة الحزب الديموقراطي، دعى الامين العام للحزب انريكو ليتتا لاجتماع لقيادة الحزب واعلن عن مؤتمر للحزب في شهر مارس القادم، وانه لن يرشح نفسه لقيادة الحزب، وبدأت معركة الخلافة التي ستستمر حتى انعقاد المؤتمر.
حزب الرابطة الذي خسر خسارة فادحة 8.7% مقابل 34% في الانتخابات الاوروبية قبل عامين فقط عقد اجتماعا للمكتب الفيدرالي واعاد الثقة ب سكرتير الرابطة ماتيو سالفيني، وهو جزء من تحالف يمين وسط ويطالب باستلام وزارة سيادية مثل وزارة الداخلية التي سبق وان تولاها سالفيني. وتوقعات برفضه، من حزب اخوة ايطاليا الذي يملك الاغلبية في تحالف وسط يمين، مع بيرلوسكوني الذي يعتبر ابرة الميزان، لتشكيل الاغلبية البرلمانية ويامل بان يضع بصماته على كل من يتم اختياره وزيرا في الحكومة القادمة.

عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق