” النازية الجديدة في رعاية الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا”
على مدى الايام الثلاث الماضية تم تبادل الاتصالات مع الرئيس بوتين و عدد من رؤساء الدول الاوروبية و غيرها ممن دخل على خط الازمة الاوكرانية في محاولة لتحقيق اختراق بالحلول الدبلوماسية للازمة و دفع الامور الى حالة من وقف اطلاق النار و الهدوء الذي يسمح باعادة الملف الاوكراني الى طاولة المفاوضات و سحبه من ساحات الاشتباك المسلح، و كان رد الرئيس الروسي نفسه على كافة هذه الاتصالات، ” لوقف العمليات العسكرية لا بد لاوكرانيا من اعلان موافقتها الصريحة و الواضحة على الشروط الروسية، و تحقيق اهدافنا المعلنة و المتمثلة في اجتثاث جماعات النازية و ضمان تحييدهم الكامل و النهائي،
لا يمكن فهم عوامل و اسباب تطور الازمة في اوكرانيا الى حد الاشتباك العسكري المسلح بين الجيش الروسي و التشكيلات العسكرية المختلفة الاوكرانية و التي تشمل الى جانب الجيش الاوكراني النظامي ، عدد كبير من المنظمات شبه العسكرية على غرار كتيبة ازوف و القطاع الايمن و غيرها و التي ترتبط باحزاب و منظمات النازيون الجدد و القوميون المتطرفون،
لا يمكن فهم ذلك دون اعادة تفكيك المشهد الاوكراني الى عناصر ازمته الاساسية، و تحليل عوامل و اسباب احد هذه العناصر و هو نمو و تطور ظاهرة النازية الجديدة في اوكرانيا و وصول ممثلي هذه المنظمات الى مستوى الشريك الرئيس في ادارة شؤون البلد و في الحكومة، بل انها شكلت العمود الفقري لاحداث عام 2014 في الساحة الرئيسية لمدينة كييف،
و الملفت للانتباه ان هذا التطور و النمو تم من خلال رعاية مستمرة منذ عام 2004 وحتى يومنا هذا من قبل عدد من المؤسسات الرسمية و غير الرسمية في الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا، و شملت هذه الرعاية كافة اشكال الدعم بالمال و السلاح و التدريب و التجهيز في معسكرات خاصة اقيمت في اوكرانيا، لدرجة ان اثنين من اعضاء الكونغرس الامريكي عن الحزب الديمقراطي تقدما بطلب لوقف العلاقة الرسمية بين منظمة ازوف الاوكرانية و هذه المؤسسات الامريكية بما فيها الجيش الامريكي،
ولم يتوقف هذا الدعم عند حدود المنظمات النازية الاوكرانية المحلية ، بل تعداها الان الى الدعوة البريطانية ( تصريح صحفي مباشر من قبل وزيرة الخارجية البريطانية) الى تشكيل فيلق دولي من المتطوعين الذين يرغبون في الانخراط في العمليات العسكرية في اوكرانيا الى جانب المجموعات القومية المتطرفة و مليشيا المجموعات النازية الجديدة، بل و اعطت الموافقة و المباركة و الضوء الاخضر لمواطني دول الاتحاد الاوروبي للانخراط في هذا الفيلق النازي و المتطرف،
كل هذا على امل ان تتحول العملية العسكرية الروسية الى حرب استنزاف طويلة الامد للطرف الروسي، ضاربين بعرض الحائط الاثمان الباهظة التي دفعها و سيدفعها الشعب الاوكراني الذي لا ذنب له في هذه المؤامرة الغربية الدنيئة،
لقد اعتقدت شعوب اوروبا و معها شعوب العالم ان النازية كعقيدة و فكر و قوى منظمة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية و سقوط الرايخ الثالث، و لم تمض سنوات قليلة على نهاية الحرب حتى اطلت افراد و مجموعات من امريكا و دول اوروبية مختلفة بافكارها النازية من جديد ، تحلم هذه المرة ببناء الرايخ الرابع، و استمرت هذه المحاولات على مدى سنوات الحرب الباردة الطويلة مع بقائها في حدودها الدنيا من النجاح، ، ففي امريكا تأسس حزب ” الامريكيين النازيين ” في عام 1959 و بيقي حتى عام 1983 بهذا الاسم و من ثم اعيد تسمية ( حزب النظام الجديد) و ما زال قائما حتى الان ،
و في بريطانيا و غيرها من الدول الاوروبية الهامة و الكبيرة كفرنسا و اسبانيا و ايطاليا شهدت مع مطلع الستينات من القرن الماضي تأسيس العديد من هذه المجموعات و الاحزاب الصغيرة التي تتبني الفكر النازي و العقيدة المتطرفة العنصرية و غالبا ما كان هؤلاء النازيون يندمجون في الاحزاب القوية المتطرفة و اليمينية الرسمي وفي المنظمات العنصرية الدموية كمنظة كلاوس كلاين البيضاء في امريكا و غيرها من المنظمات الشبيهة في بريطانيا.
و مع انهيار المنظومة السوفيتية و استقلال دول اوروبا الشرقية عن هذه المنظومة ، عادت هذه المنظمات و للمجموعات المتطرفة الى النشاط من جديد مستغلة فترة الفوضى العارمة التى اجتاحت هذه الدول في السنوات الاولى من انفكاكها عن المنظومة السوفييتية، و مع بدايات تشكل الحياة الحزبية في هذه المجتمعات برزت اجنحة و منظمات تدافع عن القومية الشوفينية و التطرف اليميني و التفرقة العرقية بين مكونات المجتمع الواحد و المجموعات العرقية في الدول الاخرى، و شيئا فشيئا اصبحت مشاهدة شعارات الحزب النازي الهتلري في الشوارعو الساحات العامة شيئا اعتياديا ، وبدأ العديد من الافراد من زعماء النازية الجديدة يقيمون المؤتمرات و يلقون الكلمات التحريضية في اللقاءات العامة ، و قد احتضنت العديد من الاحزاب الاوروبية اليمينية ذات التاريخ الطويل في الحياة السياسية الكثير من هذه الاحزاب الجديدة و شجعتها دون رقيب او حسيب من المجتمع الدولي الغربي لدرجة انه اصبح من النادر ان تخلو دولة اوروبية من هذه الاحزاب النازية او الفاشية او المتطرفة اليمينية و التي كانت تجاهر في اعلاناتها للعودة الى نمط الحزب النازي في معالجة مسألة تفوق العرق الابيض و ضمان نقاءه و التخلص من الملونين و اللاجئين و المهاجرين من افريقيا و اسيا ،
و هكذا اضحت النازية الجديدة ظاهرة عالمية تنمو حيثما تجد لها مناخا للنمو، بل و الرعاية من بعض المؤسسات الرسمية و الحكومية .
اننا نواجه اليوم شبكة دولية من الاحزاب النازية و المتطرفة ، تنسق فيما بينها و تتبادل البرامج و الخطط و اشكال الدعم المختلفة،
بل ان الكثير من هذه المجموعات نجحت في تأسيس احزاب مرخصة في امريكا و اوروبا و عملت على دخول الحياة السياسية حيثما تسمح لها القوانين المحلية ذلك كحزب الشعب في سلوفاكيا و الذي اصبح لديه ممثلين في البرلمان المحلي و البرلمان الاوروبي،
لقد مثلت اوكرانيا منذ بداية التسعينات نموذجا صارخا على نشاط هذه الاحزاب النازية الجديدة ، الحزب الوطني الاجتماعي الاوكراني الذي تأسس في عام 1991 تبنى افكارا قومية متشددة و طروحات النازيون الجدد في اوروبا ،
وفي عام 2014 شاركت هذه المنظمات و الاحزاب في الميدان الرئيس في كييف و الذي ادى الى انهيار حكومة يانوكوفتش ، مما سمح لهذه الحزاب و المجموعات في المشاركة بالحكومة الاوكرانية انذاك كوزارة الدفاع و رئاسة البرلمان الاوكراني.
و في خط متوازي تطورت بشكل مضطرد علاقة العديد من المؤسسات في الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا مع هذه المنظمات و الاحزاب ذات التوجه النازي و المتطرف في العديد من دول العالم ، و لكن علاقتها مع النازيون الجدد و القوميون المتطرفون في اوكرانيا تطورت بشكل اكثر وضوحا و اكثر متانة منذ عام 2014 ،
ان هذه العلاقة تفسر سبب معارضة امريكا و اوكرانيا و على مدى اكثر من سبع سنوات من اصدار الجمعية العمومية للامم المتحدة
قرارا يطالب بادانة و تجربم كل من يمجد رموز النازية و يدافع عن النازية الجديدة و تجلياتها الاخرى من منظمات متطرفة كحليقي الرؤوس و غيرها من حالات التمييز العرقي او الاثني او الديني ،،،
يكفي ان نراجع لوائح التصويت في اجتماعات الجمعية العامة و اخرها الذي عقد في 17 ديسمبر 2021 ، ورغم ان القرار نجح باغلبية لا تقل عن 133 صوتا ، لا ان امريكا و اوكرانيا صوتت ب ( لا) و امتنعت جميع دول حلف الناتو و دول الاتحادي الاوروبي عن التصويت ،
ان هذا الموقف المعلن على منابر المنظمة الدولية من قبل هذه الدول التي تدعي يوميا الدفاع عن حقوق الانسان ، و تتباكى اليوم على المواطن الاوكراني و ما يجري في اوكرانيا من دمار و سقوط ضحايا،
ان هذا الموقف يضيف وصمة عار و نقطة سوداء جديدة في سجلها الطويل من الانتهاكات ، و دليل على مستوى الخداع و التضليل الذي تمارسه هذه الدول جميعا ،
ان الامتناع عن ادانة و تجربم ظاهرة النازية الجديدة و كل من يروج لافكار التفوق العرقي و التمييز العنصري يؤكد ان هذا التحالف ( الغير مقدس) بين اطياف القوس العنصري ليس تحالفا مؤقتا مصلحي ، بل هو تحالف اطراف منسجمة بالافكار و الموقف ، و ان احزاب هؤلاء الحلفاء يحملون ذات الاساس الفكري و السياسي و الاجتماعي ، ان اسماء هذه الاحزاب يمكن ان تخدع لبعض الوقت المواطن العادي ، لكن لن تنطلي عليه الخديعة لفترة طويلة .
ان الحزب الذي اشعل الحرب العالمية الثانية و تسبب في سقوط 60 مليون من الضحايا الابرياء كان اسمه ( حزب العمال الالماني ) و لاحقا تغير الى ( الحزب الوطني الاجتماعي الالماني) و هو نفسه الحزب النازي الالماني بزعامة المجرم ادولف هتلر ،
و ها هي الاحزاب النازية و المتطرفون القومييون و برعاية و مباركة و تخطيط مشترك و تمويل و تسليح من امريكا و بريطانيا و باقي دول حلف الناتو تجر اوكرانيا الى اتون حرب يعتقدوا من خلالها انهم يقيموا مجدهم ( الرايخ الرابع) كما تتحدث ادبياتهم ،
ان قيام رئيس اوكرانيا السابق بمنح النازي ستيبان بانديرا ( الزعيم الروحي لهذه المنظمات النازية الاوكرانية ) لقب بطل الشعب الاوكراني و الاصرار من قبل حزب سفوبودا اليميني المتطرف على اعادة منح بانديرا اللقب بعد الغائه من قبل المحكمة العليا الاوكرانية لهو خير مثال على مستوى نفوذ هذه الاحزاب و المنظمات في القرار الرسمي الاوكراني.
و على مدى الانحطاط الذي وصل له العديد من القوى الدولية و الدول العظمى في دعمهم لهؤلاء المجرمين ،
الاكيد ان الشعب الاوكراني يلملم جراحه و الامه الحالية، و في ذات الوقت الاكيد ايضا انه قادر على التمييز بين الصديق و العدو ، و سيحاسب عاجلا ام اجلا من تسبب في هذه الجريمة المأساة و من دعم النازيون الجدد و امن لهم التغطية، تماما كما حاسبت شعوب اوروبا مجرمي الحرب النازيين بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية.