المسيح في الجولان تاريخ وآثار ،، بقلم : عماد خالد رحمة

4 سبتمبر 2021آخر تحديث :
المسيح في الجولان تاريخ وآثار ،، بقلم : عماد خالد رحمة

صدر في دمشق كتاب هام لافت حمل عنوان «المسيح في الجولان تاريخ ـ وآثار »للكاتبين الاستاذ الباحث عز الدين سطاس والباحث تيسير خلف عن دار كنعان للدراسات والنشر.
وقد استهل الكتاب بتقديم جميل وشائق للأب الياس زحلاوي الذي أكد أن تناول موضوع المسيح في الجولان ليس استغلالا سياسيا لأمر ديني وليس استغلالا دينيا لأمر سياسي بل هو دراسة معمقة وعلمية تستند الى المكتشفات الأثرية وتحديدا في المنطقة المحاذية لبحيرة طبريا مثل (بيت صيدا) و(قيصرية فيلبس) ومقاربتها مع نصوص الانجيل حيث لعبت هاتان البلدتان دورا هاما في تاريخ المسيحية. وقد نوه الأب زحلاوي عن أمر هام هو أن كاتبا هذه الدراسة هما مسلمين الأمر الذي يعبر عن عمق التعايش الحقيقي بين الأديان في سورية. ‏
والجولان تحتل أهمية تاريخية ودينية وثقافية وسياسية كبيرة فقد بدا الاستيطان البشري في الجولان منذ عشرات الآلاف من السنين أي منذ بدء الوجود البشري حيث قسم الاركيولوجيون الجولان في العصر الحجري بمراحل ثلاث هي المرحلة الأولى والوسيطة والعليا وهي تشكل حاليا جزءا من الساحل الشرقي الجنوبي لبحيرة طبريا.

فقد ولد السيد المسيح في فلسطين إبان الاحتلال الروماني حيث كانت آنذاك الجزء الجنوبي من ولاية سورية الرومانية وقد مر في الجولان العديد من أقوام وشعوب وجيوش الدائرة الحضارية حيث كانت تخومه مسرحا لأحداث تاريخية هامة ومنعطفات كان لها بالغ الأثر في تشكيل التاريخ الانساني لعل من أهمها ميلاد السيد المسيح ونقل رسالته الى كفر ناحوم والديكابولس ومعركة اليرموك 636م ومعركة حطين 1187م ومعركة عين جالوت 1260م. ‏
كما عرف أهل الجولان ثقافتين هامتين هما الاشولية والموستيرية اضافة الى الثقافات الخيامية والكبارية والنطوفية واليرموكية وضمت العديد من الديانات الوثنية في العصر الكنعاني حيث نحتت الآلهة من صخور البازلت الصلدة مثل الإله حدد الذي عثر الاركولوجيون على تمثاله في بيت صيدا شمال البطيحة في الجولان. ‏
وهكذا سار البحث باتجاه تعريف ما تحتويه الجولان من ديانات وآلهة وعبادات متنوعة عبرت عن أن الجولان شهدت دورة حياة ثرة وغنية قلما شهدتها مناطق مجاورة حيث انطلق الباحثان الى الحديث عن الجولان في الموروث المسيحي ليتحدثوا عن علاقة يسوع بالجولان في وقت مبكر حيث كان يوسف النجار صديق زبدى والد الاخوين يعقوب ويوحنا اللذين كانا في عمر يسوع من ابناء بيت صيدا الجولانية وتعمقت العلاقة فيما بعد بين فيليب والاخوين سمعان واندراوس من بيت صيدا التي لجأ السيد المسيح اليها عابرا نهر الاردن حين علم باعتقال يوحنا المعمدان وسجنه وتعرف هناك على هؤلاء الخمسة الذين كان صيد السمك مهنتهم ودعاهم أتباعه واصبحوا من تلاميذه الاثني عشر. ‏
وهكذا نالت الجولان شرف زيارة يسوع الى بيت صيدا كما زار منطقة الكرسي وبانياس الجولان التي كانت تعرف باسم قيصرية فيليبي وصعد جبل حرمون وعبر في طريقه من صور وصيدا الى منطقة المدن العشرة أو مايعرف بالديكابولس التي كانت في جنوب الجولان جزءا منها. ‏
وتجول في بعض مدنها عاد من هناك الى الجليل عبر فيق وسوسيا في جنوبي الجولان وفي بانياس الجولان اعترف سمعان ان يسوع هو المسيح وهناك اطلق يسوع على سمعان لقب بطرس (متى 16/12 ـ 20). ‏
لم يغفل الباحثان سطاس وخلف الحديث مطولا عن المعجزات التي حصلت في تلك المنطقة كما لم يغفلا الحديث بشكل مسهب عن تحول العبادات من الوثنية الى المسيحية مع الاتيان بالشواهد والأدلة التاريخية والاثرية والدينية. ‏
وفي قسم رموز مسيحية جولانية أكد الباحثان على أهمية ما أنجبته الجولان من شخصيات خالدة عملت في مجال الفكر الانساني عموما وبعضها عمل في مجال الديانة المسيحية حيث كان لهم الدور الهام في اغناء المعرفة البشرية وقدمت من مثل عليا في التمسك بالحق والفداء مثل:سمعان بن يونا، واندراوس بن يونا اخو بطرس ويعقوب بن زبدي اخو يوحنا من والدته سلومة ويوحنا بن زبدى اخو يعقوب وفيليب وجميعهم من بيت صيدا الجولانية. ‏
كذلك تحدث الباحثان بالتفصيل الدقيق عن حياةكل واحد من هؤلاء اضافة الى الحديث عن مكسيموس الحكيم الجولاني المولود في خسفين والاسقف فيلوكالوس البانياسي الذي حضر مجمع نيقة المسكوني الاول عام 325م لأبرشية بانياس الجولان والاسقف نرقيس الذي حضر مجمع انطاكية عام 324م وكان من كبار الاساقفة في مجمع نيقة والاسقف مرتيريوس وباروخيوس الذي حضر مجمع القسطنطينية المسكوني الثاني عام381م. ‏
واوليمبوس الذي حضر مجمع خلقيدونية المسكوني الرابع عام 451م وهكذا فقد أورد الباحثان عز الدين سطاس وتيسير خلف معلومات غزيرة وموثقة عن كل هؤلاء بغية اطلاع القارئ على جزء خفي من تاريخ الجولان المسيحي واعلامه ورموزه الفكرية والدينية لأن جميعهم يمثلون جزءا هاما من ثقافة وتراث الجولان هذا وقد خاض بنا الباحثان عباب بحر الكنوز الاثرية القيمة بعد أن حددوا مواقع مدنها وبلداتها مثل بانياس ..قيصرية فيليبي، مدينة الله وهذه أخذت مساحة كبيرة من الشرح والتعليل والتوضيح والادلة الموثقة من تاريخ واحداث وأماكن واسماء اشخاص ومقارنة معظم ذلك بما ورد في الانجيل كما تحدثا عن بيت صيدا المدينة المفقودة حيث يتكرر ذكر بيت صيدا كثيرا في العهد الجديد وبأناجيله الاربعة وكانت على الدوام هدفا وقصدا للحجاج وعلماء الآثار والباحثين والاكاديميين على مر العصور وفي الازمنة السحيقة قطع كثير من المؤمنين مسافات شاسعة لزيارة هذه البلدة العريقة حيث اقام السيد المسيح مدة زمنية ملحوظة وهناك حصلت العديد من المعجزات التي بين الباحثان معظمها ومقارنتها مع نصوص الانجيل وفي محطات تاريخية هامة قام فيليب ابن هيرود «ابو حرد الادومي العربي» الذي حكم الجولان من 4ق.م الى 34 ميلادية، قد طور قرية بيت صيدا وجعلها مدينة Polis كما حصنها واطلق عليها اسم Julias تكريما لبنت الامبراطور اغسطس قيصر لقد أدى عالم الآثار الكتابي ادوارد روبنسون رحلة استكشافية الى الارض المقدسة ودون ما رآه كما وصل عالم الاثار الالماني غوتليب شوماخر الى قرية العرج أو المسعدية في بيت صيدا وتحدث عنها باسهاب مثلما تحدث عنها الراهب البندتكي بارغيل بكسنر عام1985 هي أن انجيل يوحنا بخلاف الاناجيل الاخرى يذكر ان بيت صيدا الجولانية تقع على الجانب الغربي لنهر الاردن. ‏
اما سوسيا.. هيبوس.. قلعة الحصن فقد اورد الباحثان الكثير من المعلومات عن أهمية موقعها في شمال كفر حارب 1كم و2كم جنوب شكوك وشرق بحيرة طبرية بحوالي 5،1كم وغرب فيق بحوالي 5،3كم وهي مدينة حصينة بنيت على شكل مثلث متساوي الساقين وهي مدينة ذات موقع استراتيجي هام تتوفر فيه شروط ومقومات الامن والازدهار وقد اكتشف فيها الاثاريون كنوزا هامة من اللقى الاثرية منها النقود التي تعود الى مختلف العهود الهللينية والرومانية والبيزنطية والاموية اقدم قطعة سكها عام 285 قبل الميلاد في صور. واحدث قطعة مسكوكة في العهد الاموي في طبريا عام 734م وفيها كنيسة ضخمة تحتوي على تابوت رخامي صغير.. الخ عرفت بالكنيسة الشمالية الغربية وهناك كنيسة اخرى عرفت بالكنيسة الشمالية الشرقية وكنيسة اخرى بنيت على الطراز الملكي عرفت باسم الكنيسة الملكية وهذه الكنائس نالت الاهتمام من الاستاذ عز الدين سطاس والاستاذ تيسير خلف حيث وضعا مخططا لهندسة العمارة وبينا تاريخ وأهمية ودور كل من هاتيك الكنائس. ‏
أما القسم الاخير من البحث فقد تناول منطقة الكرسي.. جرسا..جريسا وهي موقع قديم يقع تقريبا في منتصف الشاطئ لبحيرة طبرية جنوب مصب وادي السمك في هذه البحيرة وهو واد كبير ينتهي بدلتا يأخذ شكل رأس متقدم ويضم هذا الموقع بقايا دير وكنيسة ومبان سكنية اضافة الى مرسى للزوارق والسفن الصغيرة. ‏
الجدير بالذكر ان الباحثان سطاس وخلف كانا قد قدما عرضا رائعاً ووافيا عن هذه المدن والوقائع ذاكرين المزيد منها مثل موقع الحمة .. حمة جدر.. وماتضمه من ينابيع حلوة وينابيع معدنية ساخنة اضافة الى حمة الريح.. وعين المقلى وعين البلسم والعديد من الحمامات وبرك السباحة الخ. ‏
من خلال البحث الرائع والغني الذي قدمه لنا الباحثان عز الدين سطاس وتيسير خلف في هذا الكتاب الذي لم تتجاوز عدد صفحاته 112 صفحة ندرك ان الجولان اليوم التي تقع تحت قبضة الاحتلال الصهيوني هي لوحة بانورامية غنية بروائعها الوثنية والمسيحية والاسلامية ودورها في التاريخ عموما حيث عاش في ربوعها السيد المسيح وأكل من خيراتها وشرب من مائها العذب وتنفس من هوائها العليل وانه لجدير بنا أن نؤكد اننا نعمل على استعادة كامل جولاننا الحبيب لانه أرض آبائنا واجدادنا وفيه تاريخنا العربي المجيد وعلى أرضه الطاهرة ازدهرت الديانة المسيحية التي زارها السيد المسيح وهي بحق مسقط رأس خمسة من تلامذة السيد المسيح. ‏
حري بنا أن ننبه ان الباحثان سطاس وخلف قد أودعا بين أيدينا سفر هام من اسفار تاريخنا العربي المسيحي الاسلامي المجيد وقد ختماه بمجموعة كبيرة من الصور الهامة الملونة كي تبقى في الذاكرة ولن تمحى. ‏

المصدرالكاتب للمركز الفلسطينى الأوروبى للإعلام
عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق