المداهنة .. والعامل المشترك بين الإنسان والذئب المنفرد (Lone wolf)‏ .. بقلم عماد خالد رحمة

12 يوليو 2021آخر تحديث :
عماد خالد رحمة
عماد خالد رحمة

من المعتاد أن يعيش الذئب على تخوم مدن البشر وقراهم وبلداتهم وبيوتهم، يفعل ذلك على الرغم من أنه ليس حيوانًا أليفًا ،هو الوحيد بين الوحوش الذي يمكنه أن يعيش فى هذه المسافة، وفي الوقت نفسه يستغرب البشر فكرة وجود أيّ وحشٍ آخر في نفس المسافة، لا يقبلون به ولا يدخل ضمن توقعاتهم، أيضًا يعيش مصاص الدماء معظم الوقت على تخوم مدن البشر وقراهم وبلداتهم ، وبيوتهم، ويتحرك بينهم، كلٌ من الإنسان والذئب ومصاص الدماء يعيش متاخما لحدود الآخر، يمتزج به أحيانًا، ومسموح أن يتسرب كلٌ منهم باتجاه الآخر ، كأنها حلقات تتداخل بهدوء، بصخب ونعومة ،وعنف ، وعمق وغموض.

المشترك الأساسي بين الإنسان والذئب لا يكاد يُدرك أو يُرى،أو يوصف،فكما الذئب المتفرد هناك إنسانٌ متفرد.فالإنسان والذئب يشتركان بالشراسة والعنف أو القوة أو الضعف.وبينهما حلقة مفقودة ومتواجدة في الآن ذاته. وفي الثقافة العامة يُعرَف الذئب من أقوى المخلوقات وأشرسها وأشجعهافي الطبيعة. يبدو أحياناً بأنه كائنٌ ضعيف والأقل شجاعة،وهذا يتناسب مع الإنسان الذي يثق بأنه قادر على إخضاع كل الكائنات،وفي الوقت نفسه يثق بأنه الأضعف ،وهو كائن يقدر على كل شيء،وكل شيء يقدر عليه.والذئب المنفرد يمثل الشخص الذي يرتكب أعمال عنفٍ وإرهابٍ من أجل دعم مجموعةٍ ما،أو حركةٍ،أو أيديولوجيا لها نهجها وضوابطها وقواعدها،ولكن يقوم بذلك وحده، خارج عن هيكل القيادة أو الرئاسة،ودون مساعدةٍ ماديةٍ من أيِّ مجموعة. على الرغم من أنَّ الذئب الوحيد يستعد ويعمل بحذرٍ وقوةٍ وانتباهٍ وذكاءٍ حاد،وهو يقوم بعمله وحده دون مساعدة أو مشاركة أحد غيره وكل ذلك بالخفاء.لقد تم إسقاط سلوك (الذئب المنفرد)على سلوك بعض البشر الشرسين،لأنه ربما يكون الذئب تجسيد حيًّ للغموض الذي بداخل الإنسان، كذلك يبدو الإنسان للذئب مثل غموض لا يخيفه، إنما يبقيه متسائلاً، دون جواب .

الجدير بالذكر أنَّ (مركز فيريل للدراسات الألمانية في برلين) (Firil Center For Studies FCFS Berlin Germany) يعرِّف مصطلح (الذئاب المنفردة) أو (الذئاب المتفرِّدة ) بأنه مصطلح أمني،يُطلق على أفراد يقومون بعملياتٍ إرهابيةٍ تتصف بالوحشية.عمادها القتلٍ وسفك الدماء، دون أن يكون لهم تنظيمٌ أو حزبٌ محدَّد،ولم يتمَّ تكليفهم من قبل جهةٍ كانت،أو وضع خطةٍ محكمةٍ أو أوامر مسبقة لهم من قبل أي شخصٍ آخر.وإنما محرِّكهم أو دافعهم الأساس،هو أفكار ومعتقدات وآراء ومفاهيم تأثروا بها،وترسَّخت في عقولهم نتيجة إحباطٍ أو حقدٍ شديدين،أو غضبٍ على دولةٍ أو عِرْقٍ،أو طائفة أو قوميَّة أو حتى جنس بشري ما.إنَّ معظم مراكز الأبحاث ومعاهد الدراسات الأمنية في العالم تؤكد أنه من الخطأ أن تُنسب هذه الظاهرة إلى دينٍ بعينه على الإطلاق،وأنه لا يوجد تاريخٌ أو مكان مُعينٍ يمكن وصفه بأساس لهذه الظَّاهرة الخطيرة. لقد ثبُت تبنّي وتطوير حركات التطرف الراديكالية لبعض الجهات كممارسة،على الرغم من أنّ المفهوم يعُود لستينيات القرن الماضي،ومن أبرزها دعوة المتطرّف (لويس بيم 1983 ( Louis Beam لمقاومة الحكومة الأمريكية الاتحادية بلا قيادة.كما أعاد ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأذهان مصطلح (الذئب المتفرد) أو (الذئب المنفرد) إلى واجهة الأحداث العالمية عام 1990،ما قام به كلٌ من الأمريكي العنصري (الكس كيرتس Alex Curtis )،والأمريكي العنصري (توم متزغر(Tom Metzger لتشكيل خلايا فردية وصغيرة،والقيام بهجمات عنصرية شرسة.فقد دعيا الخلايا الفردية والصغيرة جداً إلى العمل بسريةٍ تامة تحت الأرض،بدلاً من العمل كمنظماتٍ كبيرةٍ أو مجموعات ٍ فوق الأرض تعمل وتنشر الإرهاب. منذ ذلك العام 1990 ظهرت الهجمات العنصرية التي تقوم بها تلك المجموعات الأمريكية بصفةٍ منفردة، ومن دون هرمٍ تنظيمي،حيث دعوا إلى القبض على غير البيض بكل الوسائل الممكنة وهو موقف وسلوك عنصري مفرط، كما قاموا بالترويج للاغتيال المنظم،والاغتيال العشوائي،وحثوا مناصريهم ومؤيديهم على القول عند القبض عليهم (ليس لدي ما أقول). وفي مقال نشرته (مجلّة الصحافة في كولومبيا)، أشارت الصحافية والكاتبة (ميريل بيرلمان) إلى أنّ عبارة (الذئب المنفرد) استُخدمت لقرون عدة في الروايات، حتى أنّ الأميركيّين الأصليّين تحدّثوا عن أبطال محاربين أشداء واصفين إيّاهم بـ (الذئاب المنفردة).في ما بعد، كان اللصوص الذين تركوا عصاباتهم الأساسيّة يسمّون بهذه التسمية. في هذا السياق قال السيد (يونغ فو هوانغ)،مدير إدارة الشؤون الجنائية الدولية ، مكتب التحقيقات الجنائية،تايون.إثر حادثةٍ مروعةٍ تم فيها أخذ رهائن من طرف رجل مسلح في وسط مدينة سيدني الأسترالية في يوم 15 تشرين الأول 2014 أدَّى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أربعة. و في يوم 7 حزيران 2016،وقع تفجير في القطار المحلي للسكك الحديدية التايواني رقم 1258،مما أدى إلى إصابة 25 شخصًا. حٌظيت كلتا الحالتين التي تسببتا في خسائر فادحة باهتمام دولي كبير،وتم تصنيفهما كحالات لجرائم (الذئب المنفرد) أو إرهاب (الذئب المنفرد).أيضاً هناك كنموذج (للذئب المنفرد) يمكن وصف الإرهابي النرويجي (أندرس برايفيك) الذي قتل في 22 تموز 2011 سبعة وسبعين شخصاً.فقد كتبت مجلة نيوزويك الأمريكية في نيسان2016 عن برايفيك.أنَّ : ( أوروبا تشهد أكثر هجمات متطرفين، لكن ما فعلة فرايفيك جعلت منه أكبر مهاجم قاتل من نوع الذئب المنفرد في تاريخ القارة)، كما أنَّ الجاني في كريست تشيرش الذي وُصف للمرة الأولى كــ (ذئب منفرد) بعد ساعات قليلة فقط من الاعتداء الإرهابي على المسجدين مجًد النرويجي برايفيك.

الجدير بالذكر أنَّ هناك كتيباً سرياً جداً مؤلف فقط من 62 صفحة، يتضمن الكثير من الوصايا والأوامر السرية لــ ( الذئاب الداعشية المنفردة)،وهو كتيب خطير جداً كانت قد أشارت إليه صحيفة ( الديلي تلغراف )البريطانية، والتي تقول أنَّ هذا العمل الفكري الخطير صدر عن تنظيم (القاعدة ) أولاً،ثم لاحقاً تبناه تنظيم (داعش) وترجمه إلى اللغة الإنكليزية، ليصل لأتباعه ومريديه حول العالم. فقد كشفت العديد من الصحف الغربية عن أحد أهم إصدارات (التنظيم ) الذي حمل عنوان (استراتيجية الذئب المنفرد) لـ( أبو أنس الأندلسي) نشر في شهر آب عام 2015،وصف فيها الداعشي (محمد مراح) بـ(رائد عمليات الذئب المنفرد ومنفذ (غزوة تولوز) في 11 آذار 2012).

وكي لا نقع في أي خطأ في هذا المجال فإنَّ المقطوع به أنَّ (الخلايا الفردية) أو (الذئاب الوحيدة)،كما يسميها مكتب التحقيقات الاتحادية الأميركي (إف بي آي FBI)،عادةً ما تكون أكثر صعوبةً في متابعتها وملاحقتها،على الرغم من الإجراءات الدقيقة للمراقبة البشرية والتقنية الحديثة جداً،وهي تمثل تحدياً كبيراً للاستخبارات الأمريكية أكثر من شبكات العمل على الأرض،لأنَّ الأخيرة ممكن أن توفر لها بعض المعلومات والدلائل والحقائق من خلال المراقبة المستمرة والمتابعة اليومية الدقيقة،لكن الجماعات والأفراد المتطرفين فكرياً وعقائدياً ينمون ويزدهرون بسرعةٍ يوماً بعد يوم، وراء أفكارٍ وقناعاتٍ تتشظى بشكل سريع بما يصعب السيطرة عليها والتحكم بها بأدوات الحرب التقليدية المتبعة،ولعلَّ هذا يفسر ويشرح ما جاء في تصريحات مدير مكتب التحقيقات الاتحادية السابق (جيمس كومي)الذي قال : أن (تنظيم داعش يستطيع أن يحشد الآلاف من الأتباع عبر الإنترنت داخل الولايات المتحدة الأميركية فقط)،وعليه فما بالنا ببقية أرجاء العالم،وفي مقدمتها أوروبا الغربية،دون أن نوفر العالم العربي والإسلامي بنفسه وهناك فكرة يمكن أن تكون أجهزة المخابرات والاستخبارات قد ابتدعتها وهي في أنَّ تسمية شخص ( كذئب منفرد ) قام بعمل إرهابي تبعد الأنظار عن الحاضنة والأرض الخصبة التي يتغذى عليها الإرهاب اليميني المتطرف كمجموعة كبيرة أو كحزب غير منظور.وهنا يمكننا البحث في ما يمكن أن نطلق عليه اسم (إرهاب الجيل الرابع )،حيث لا يمكننا إغفال أنَّ الإرهاب والإرعاب بشكلٍ عام ومنه (الذئب المنفرد) قد أصبح أحد أهم الأدوات العسكرية التي تتبناها بعض الدول ضمن مفهوم خاص وموسّع يعرف بـ (حروب الجيل الرابع)،و(حروب المنطقة الرمادية) حيث أشارت بعض التحقيقات المتعلقة بقضايا الإرهاب بأسلوب وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أجهزة استخبارية أجنبية خارجية،وفي بعض الحالات الأخرى أشارت إلى بصمات أجهزةٍ استخبارية من داخل البلد،ولعلَّ أجهزة الاستخبارات الخارجية المعادية هي أفضل من يوظّف فكرة قطعان (الذئاب المنفردة)،وبالتالي تضيف مثل هذه النتائج أعباءً كبيرة جداً على عاتق المؤسسات الأمنية،وتزيد من الضغط على مواردها ومصادرها المالية والعسكرية التقنية والطاقة البشرية.

لم يكن مصطلح الذئب المنفرد فكرةً غامضة فقد أوضح البروفيسور، كريستوفر كوكر، في كتابه الحرب في عصر المخاطر ” War in An Age of Risk” الصادر عام 1979، الذي أعاد نشره باللغة العربية ،مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ـ عام 2012 والذي يقع بـ 293 صفحة،إلى أنَّ تفكير العالم قد تغير تجاه الحروب من حيث كيفية الفهم والمعلومات والإدراك العام،وأدوات الحرب الفتاكة عبر التطوّر الزمني، ففي الوقت الذي كانت الحروب فيه تُعتبر صراعاً بين الإرادات، باتت اليوم علماً وفنّاً وخططاً واستراتيجيات وتكتيك في كيفية إدارة المخاطر،وفي الوقت نفسه، إنَّ درجة التشابك والتعقيد التي تواكب متطلبات الأمن القومي والأمن الداخلي،غيرّت الحروب لتصبح حروباً معقدة ومتداخلة ومتشابكة بطريقةٍ غير مألوفة،فالعالم اليوم يُجمع على ضرورة التوحّد ضد الإرهاب والإرهابيين،فكيف ستكون هذه الحروب العالمية ضد متغيرات أصعب ما فيها فهمها وإدراكها ؟!.إنً فكرة القيام بأي هجوم إرهابي،أيّاً كانت الأسباب والمبررات الموضوعية والسياقية،فإنها تُعتبر فكرة مجنونة وغير عقلانية تخدم شيئاً ما داخل الفاعل، وهناك مراجع ومصادر ودراسات هامة وأوراق بحثية وصل عددها الملايين سلّطت الضوء على سوسيولوجيا الإرهاب ،وارتباطها بالتوجه إلى استخدام العنف بأسلوب شرس جداً .

تجدر الإشارة أنه في معرض بحثنا عن الذئب المنفرد،هذا المصطلح الهام،لم يتم إسقاطه على الإرهابيين المسلحين.بل أيضاً يمكن إسقاطه على العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية والاقتصادية.فعلى الصعيد الاقتصادي ـ على سبيل المثال لا الحصرـ برز اسم الملياردير الصيني تشونج شانشان تحت اسم (الذئب المنفرد) وهو الذي يترأس شركة (نونجفو سبرينج) الأوسع انتشاراً في صناعة تعبئة المياه في الصين،حيث قفزت ثروته إلى 91.7 مليار دولار،بحسب مؤشر بلومبرج للمليارديرات.وكان الملياردير الصيني تشونج شانشان قد أضاف إلى رصيده مبلغ 13.5 مليار دولار في أسبوع واحد. فقد احتل تشونج شانشان المرتبة السادسة بقائمة الأكثر ثراءً في العالم ليزيح الملياردير الأمريكي (وارين بافيت ) رئيس مجلس إدارة شركة بيركشير هاثاواي من مركزه. قفزت أسهم نونجفو سبرينج خلال أول جلستين في هذا العام 2021 إلى نحو 18 بالمئة لتصل إجمالي المكاسب المالية المحققة منذ الإدراج في تموز الماضي من هذا العام 2021 إلى 200%. . لقد لُقِّبَ الملياردير الصيني تشونج شانشان بــ (الذئب المنفرد )لأنه مارس ما يمكن أن يطبقه الذئب المنفرد في الطبيعة.فقد ابتعد عن العمل السياسي بشكلٍ كبير جداً،وابتعد ابتعاداً كلياً عن مشاركة مشاهير رجال الأعمل. وبقي متخفياً وراء الأضواء يعمل ويخطط بصمت.وقد نجح حين طرح أسهم شركة (بيجين وانتاي بايولوجيكل فارمسي انرتبرايز) للاكتتاب العام في نيسان 2020 ليرتفع سعر سهمها 2800% منذ ذلك الوقت. وهكذا توالت نجاحاته التي مكنته من إزاحة رجل الأعمال الهندي (موكيش أمباني) من على قمة أثرياء آسيا.هذه الشخصية وشخصيات أخرى يعيشون بصمت لكنهم (ذئاب منفردة ) يتمتعون بالهدوء والشراسة في آنٍ معاً .

عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق