القفز من السياسي والمالي إلى الثقافي ،، بقلم : عفاف عمورة

30 أغسطس 2021آخر تحديث :
القفز من السياسي والمالي إلى الثقافي ،، بقلم : عفاف عمورة

جميعنا يعلم أنه إذا ما اجتمعت الثروة والسلطة إلا وكان الفساد ثالثهما في معظم الأحيان ، أيضاً يمكننا أن نرى أنّ العلاقة بين السلطة والمال جريمة كاملة ومكتملة الأركان والبنيان ،فمقابل الثروة والمال تتنازل السلطة عن أعز ما تملك ،وهو الأمانة والشرف والأخلاق ،ويكون الوليد مكروهاً ومنبوذاً ،فإذا أردت إفساد أي مجتمع، فما عليك إلا فتح باب الزواج بين السلطة والمال، أي أن تسمح لرجال الأعمال أن يكونوا رجال سياسة. أعضاء في البرلمان، أو وزراء أو رئيس وزراء،أو حتى رئيس دولة، وهنا يشارك رجال الأعمال في صنع القرارات التي تخدم مصالحهم أولاً وأخيراً .نعم إنها في معظمها مفسدة لا أخلاقية على الإطلاق .فما الذي سيحصل إن هجع هذا السياسي إلى الثقافي وتحالف معه ؟؟
من المؤكد أيضاً أنّ الإنسان لا يحيا بالخبز وحده ،كما أننا نعلم أنه في وطننا العربي ومن خلال عقود طويلة من المتغيرات الجوهرية والمفصلية أنَّ الإنسان لا يعيش بالسياسة وحدها. بخاصة في عصرنا الحالي .لأنه عندئذ سيموت عطشاً وجوعاً من الفقر والمرض والحرمان، أو حسب النظريات الأمريكية الجديدة التي تقول إنَّ تأثير الجوع على الإدراك والوعي الذاتي للفرد يكون سلبياً للغاية ،وأن الأشخاص الجائعين يواجهون الحياة بنظرة أكثر سلبية .وقد يكون هذا المزيج من الجوع والغضب استجابةً عاطفيةً معقدة، تنطوي على تفاعلات بيولوجية وشخصية ومؤثرات بيئية عميقة ،وفقًا للبحث الجديد الذي نشرته جمعية علم النفس الأمريكية في حزيران الماضي.أو على العكس تماماً كما حدث في الأسطورة اليونانية كيف أنّ الملك ميداس( King Midas) وهو ملك كان له قدرة عجيبة على تحويل أي شيء يلمسه إلى ذهب تلبية لدعاء الآلهة .حتى الخبز والدقيق والماء .ثم نسي وحضن ابنته الصغيرة فتحوَّلت إلى ذهب وهكذا مات دون أن يستطيع أن يأكل أو يشرب أو يجيا كغيره من البشر . وهكذا في عالمنا العربي نملك ثروات طائلة لا يستفيد منها الشعب وللأسف لايحظى بالتعلم الكافي وتحقيق العدالة الاجتماعية وبقي جاهلاً .وتم تبديد الأموال والثروات الهائلة والطاقات برخصٍ شديد. وكم كنا وما زلنا نتمنى أن تكون حصة علمي النفس والاجتماع من الحصص الرسمية الهامة والتي يجب أن نعلمه لأولادنا وأجيالنا في وطننا العربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً لكن هذا العلم لم يحتل واحداً بالألف ،ولو كان قد تحقق لاختلف المشروع السياسي العربي برمته من جذوره. ولا نجازف البتّة إذا قلنا إنَّ أكثر من ثلاثة أرباع مشكلاتنا الحادّة والمستعصية اليوم لها مفاتيح غير سياسية، سواء تعلق الأمر بحياتنا اليومية وتفاصيلها الشديدة ،والتي تتسم بالمرارة والقسوة والألم ،أو مجمل علاقاتنا الاجتماعية بشكلٍ عام ،وما علق في نفوسنا من خوفٍ وإرهابٍ وتوجس وفوبيات وعقد مستعصية لأسبابٍ تربويةٍ وتعليميةٍ متواترة ،وقوانين وأعراف موروثة! وما تعانيه شعوبنا العربية من الأمراض السارية والمعدية .والجائحات التي تسربت إلى الحياة السياسية في وطننا العربي لها جذور اجتماعية وثقافية وتربوية عميقة ،أدَّت إلى هذا التداخل وهذا الخلط وهذا الفقد، بناءً على هذه الركائز وهذه القواعد فإنَّ الوصولية والأنانية والانتهازية وسائر هذه العائلة من المصطلحات هي عدوى اجتماعية وثقافية في آن. أصابت الأحزاب والقوى والتكتلات والحراكات السياسية، لهذا لا يمكن للشعارات والمقولات الممجوجة المتكررة عن الحوار مع الآخر ،والديمقراطية، وحق الاختلاف،وحرية الرأي والرأي الآخر.وبالتالي التعددية الإيجابية أن تكون ذات معنى ودلالة واضحة إذا لم يكن لها جذور ثقافية عميقة ضاربة في أعماق التاريخ ، ومن يتداولون الحديث مطولاً عن ظاهرة زواج المال بالسلطة، والمنفعة المشتركة المتبادلة وما انتهى إليه من فساد بيروقراطي متفشي بشكل مرعب .ففي بعض بلداننا العربية يتناسون أنَّ المال أيضاً يقبل التصنيف والتقييم إلى مال (أميّ) ومال (مثقف) ومال (شبه مثقف) ،وهذا ما أشار إليه الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي ، بينما كان العميد يقيم في باريس يوم 11 أيار 1923م في مقالته الشهيرة بعنوان: (العلم والثروة) ،وكان يقصد آنذاك الأوروبيين وبالتحديد الفرنسيون، حيث درس وعاش هناك لسنوات وسنوات ومما قاله عن الرأسماليين فى أوروبا:(ليسوا أنعاماً ينقلون الثروة من جيل إلى جيل،وإنما هم ناس يملكون الثروة ويستثمرونها فيفيدون ويستفيدون، ليسوا عبيداً للمادة وإنما هم سادتها ويملكونها ويسخرونها لحياة الإنسان والترفيه عليه) .
إنَّ المنظار السياسي وحده لا يكفي لرؤية وفحص وتحليل عيّنات من أنماط السلوك والمنهج الاجتماعي في مجتمع ما، لأنَّ السياسة بما فيها من مراوغة وعقلية تآمرية ومواربة في نهاية المطاف نتيجةً وإفراز لها .وليست جذر الداء والبلاء معاً.
إن واقعناً العربي المرير كان وما يزال غارقاً بهذه العشوائيات الثقافية والاجتماعية وبقايا القوانين والأعراف القبلية والعشائرية المتشعبة والمتشابكة ،والمستعصية في الآن ذاته ،إضافة إلى الواقع العمراني الذي يحتاج إلى دراسات وأبحاث لا تقتصر على السياسة ومشاحناتها واستطالاتها ،لكن هناك استخفافاً واضحاً بالحقول المعرفية والثقافية الواسعة المتعلقة بتكوين وماهية الإنسان من داخل عقله وشعوره ووجدانه أولاً.
ونحن في هذا المسار لا يمكننا أن نغفل الكثير من الأنشطة الأكاديمية في علمي النفس وعلم الاجتماع، لكنها تبقى حبيسة أسوار الأكاديميات والجامعات ومراكز الأبحاث المنغلقة .وأغلفة الأطروحات الجامعية العليا وعناوينها البرّاقة طالما هناك سلطات طاغية.

عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق