العلاقة الجدلية بين شجرة الميلاد وعيد الميلاد المجيد

25 ديسمبر 2021آخر تحديث :
العلاقة الجدلية بين شجرة الميلاد وعيد الميلاد المجيد

بقلم : عماد خالد رحمة

يحتفل العالم اليوم بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، على وقع أجراس الكنائس وترنيمة ملائكية يتم ترديدها في كامل الأصقاع “الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ “( لوقا 2: 14) .
ترنيمة ملائكية تردّد لطفل يحمل رسالة المحبة والسلام للعالم. ولد هذا الطفل في مغارة صغيرة نائية في بيت لحم في فلسطين، ورمز هذه الولادة -التواضع والبساطة والفقر العطاء حيث وضع في مزود بعد ولادته مباشرةً. وفي ليلة الميلاد يردِّد الأطفال لقد انجبت مريم العذراء إبناً، والنور ينتشر مع ظهور نجمة الصباح فوق المغارة ،هي بشارة بميلاد السيد المسيح وتجدّد الحياة ،وعيد الميلاد عيد المحبة والسلام. حيث يحتفل المسيحيون بعيد الميلاد المجيد يوم 25 كانون الأول. وقد كرَّسه اليونان والرومان وهو يوم الانقلاب الشتوي ،حيث تصل الشمس إلى آخر مدى لها في الميلان عن كبد السماء، ويبلغ النهار اقصره. ويرمزون بهذا اليوم إلى الشمس نتيجة تأّر القافة الكنعانية بالقافة والديانة المصرية القديمة التي تعبد الشمس . وحسب المعتقد تدفع قوى الشر والظلام أمامها بالصعود إلى كبد السماء ،وتجدِّد قوتها، وتستعيد ألقها وعزمها. واعتبر هذا اليوم أيضاً ، يوم ميلاد الشمس أو النور،وقبل يوم الميلاد بأربع أيام أي يوم (21) كانون الأول يعتبر نهاية فصل الخريف وبداية فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي. لأنَّ الشمس في هذا اليوم تكون عمودية على مدار الجدي (23,5) درجة في نصف الكرة الجنوبي وهذا ما يجعل ميزان الوقت مختلفاً بين نصف الكرة الشمالي التي تكون فيه تلك الليلة أطول. وفي النصف الجنوبي من الكرة الأضية تكون أقصر ليلة.هذا التبدل في الدرجة يجعل كرتنا الأرضية تأخذ أوضاعاً انتقالية جديدة حتى يوم (21 ) أذار يوم الإنقلاب الربيعي فيصبح فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي، والخريف في نصف الكرة الجنوبي، وتكون الشمس على خط الاستواء عمودية وبدرجة (0 ).
الجدير بالذكر وحسب الاعتقاد أنَّ برج الجدي هو البرج الذي تدخله الشمس وقت الانقلاب الشتوي .هو برج ميلاد الشمس من جديد في السماء، وحسب المعتقدات المسيحية يعتبر طقس عماد السيد المسيح حين يصعد من الماء كما تلد الشمس مجتازة برج الماء ،وهو يرمز إلى تجديد الإنسان وغسل روحه وماضيه وتطهيره بولادة نقية.
قبل بدء الاحتفالات بعيد الميلاد يستعد المسيحيون في جميع بقاع الأرض للاحتفال بميلاد السيد المسيح، وتتمثل هذه الاستعدادات في بعض العادات والتقاليد التي منها وضع الزينات والرموز في البيوت والكنائس والشوارع والأماكن العامة التي تشير إلى قدسية هذه المناسبة، التى تبدأ في الفترة من 25 كانون الأول، وتستمر حتى عيد الغطاس الذي يُقام في 19 من كانون الثاني .
ومن أهم الرموز الدينية بهذه المناسبة هي شجرة الميلاد ( الكريسماس ) التي تزيّن البيوت والكنائس وقاعات الاحتفالات والساحات العامة . كما ذكرنا. ويكون لبابا نويل “سانتا كلوز “دور كبير في الاحتفالات وهو شخصية خيالية ترتبط بعيد الميلاد هذه الشخصية توجد عند المسيحيين، ومعروفة غالباً بأنها رجل عجوز يبتسم دائماً وهو سعيد. وسمين جداً وضحوك يرتدي ستره يطغى عليها اللون الأحمر وبأطراف بيضاء، وتغطي وجهه لحيةً ناصعة البياض، وكما هو مشهور في قصص الأطفال فإن بابا نويل “سانتا كلوز “يعيش في القطب الشمالي مع زوجته السيدة كلوز، وبعض الأقزام الذين يصنعون له هدايا الميلاد، وتمتاز تلك الطقوس بوجود الأيائل التي تجر له مزلاجته السحرية، ومن خلفها الهدايا ليتم توزيعها على الأولاد أثناء هبوطه من مداخن مدافئ المنازل، أو دخوله من النوافذ المفتوحة وشقوق الأبواب الصغيرة.
هذه الرموز الاحتفالية تعود إلى عقود عدة، فهي تعمل على إضفاء أجواء من السعادة والفرح لدى الجميع من كبارٍ وصغار ، وعادةً ما يشترك في هذه المناسبة جميع أبناء الديانات الأخرى والطوائف والمذاهب المختلفة،ولعل هذه المشاركة من معظم سكان المعمورة تأتي بسبب تزامن عيد ميلاد السيد المسيح بنهاية العام الميلادي الذي يجتمع جميع الأمم والشعوب بمختلف المعتقدات للاحتفال به، واستقبال العام الجديد.
تعتبر شجرة عيد الميلاد (الكريسماس) التي يتم تزيينها لهذه المناسبة هي من أقدم الرموز الاحتفالية التى تعبر عن الفرحة والبهجة وبدء الحياة والخصب، حيث يبدأ المحتفلون في تزيينها منذ بداية شهر كانون الأول، وتستمر حتى الاحتفال بعيد الغطاس ذي الخصوصية المسيحية، لقد تعدّدت الروايات التي تناولت هذا الحدث وتاريخ هذا الرمز الاحتفالي المهم، على الرغم من عدم وجود أي ترابط مادي بين ميلاد السيد المسيح وشجرة الميلاد، إلا أنّ العديد من تلك الروايات أعادت هذه الأشجار إلى فترة القرون الوسطى بألمانيا الغنية بالغابات الصنوبرية الدائمة الخضرة، حيث قامت بعض القبائل الوثنية آنذاك التي تعبد الغابات والنباتات بتزيين الأشجار كالاحتفال بالآلهة، هذه العادات شاهدها القديس بونيفاسيوس، الذي اعتبر شجرة التنوب، أو شجرة الكريسماس الحالية، رمزًا للاحتفال بميلاد السيد المسيح،في فترةٍ رسخت المسيحية أقدامها في إنكلترا،من خلال إرسال رسل إلى بقية القارة الأوروبية في النصف الأخير من القرن الثامن، الذين عملواعلى نشر المسيحية في هولندا وبلجيكا وشمال ألمانيا وكان بونيفاس الذي وجد في نفسه مبشراً مضطراً لأن يستخدم تلك الشجرة البسيطة التي تستخدم أخشابها في البناء، وأن أغصانها الكثيفة التي تعانق الإنسان تحميه من عوامل الطبيعة. وقام بأخذها كرمز يشير إلى دور السيد المسيح في حياة المسيحيين في الحماية وبناء حياتهم .وهناك روايات عديدة منها أن تاريخ شجرة الميلاد (الكريسماس) يعود إلى عام 1509م، حيث كانت العديد من المدن التى تتبع لثقافات عدة تشير إلى أهمية دور الشجر الأخضر في حياة الإنسان، هناك أيضاً في غابر الأزمان مجموعة بشرية كانت تعقد أن هذه الأشجار تقي الناس من الأرواح الشريرة والأخطار التى يمكن أن يتعرض لها الإنسان من عوامل الطبيعة القاسية ، وكانت الكنائس تحتفل آنذاك بميلاد السيد المسيح عليه السلام، وتشعل الشموع، وفى عام 1605م تم استخدام أشجار التنوب والهداب واشعال الشموع كرمز احتفالي بعيد الميلاد، وقاموا بتزيينها بالهدايا والزينة والكرات التي ترمز إلى الكواكب والنجوم نسبةً إلى اعتبار هذه الأشجار بمثابة حوامل الأمل في الحياة الجديدة.
وهناك روايات شفهية أخرى تشير إلى الحضارتين السومرية والبابلية التي كانتا تعتبران الأشجار رمزًا للولادة والخصب والمعرفة والحياة الجديدة، وبعد اعتراف القسطنطينيين بالديانة المسيحية ودخولها إلى أوروبا، أشيع استخدامها بالتزامن مع دخول الملكة شارلوت، زوجة الملك جورج الثالث، إلى إنكلترا ثم انتقلت هذه العادات الاحتفالية إلى الدول التى احتلتها الجيوش البريطانية، ثم انتشرت في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإستراليا.
هذا التقليد انتشر في جميع المدن المسيحية بعد علمنة الطبقة الأوروبية الوسطى، وأصبح الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام هو أحد المضامين الدينية المقدسة في العالم، ورفضت الكنيسة الكاثوليكية شجرة عيد الميلاد لفترةٍ طويلة، مشيرةً إلى أنها تعود إلى القبائل الوثنية التي عاشت في المنطقة في قديم الزمان ، والتي بدأت بوضع أوّل شجرة عيد الميلاد في ساحة القديس بطرس التى تقع في منتصف دولة الفاتيكان الكاثوليكية أمام كاتدرائية القديس بطرس في روما عام 1982م.
وكل عام وأنتم بألف خير .

المصدرالكاتب للمركز الفلسطينى الأوروبى للإعلام
عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق