العدالة الاجتماعية وبسط الحريات :
بقلم : عفاف عمورة ـ برلين .
نادت جميع الحضارات الإنسانية، والأديان السماوية، والعديد من الفلسفات عبر التاريخ، بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توزيع الثروة بشكلٍ عادل، وتقديم الفرص والامتيازات داخل المجتمعات بما فيها الحضارة الغربية والحضارات الآسيوية القديمة المتعاقبة. في أغلب الأحيان يشير مفهوم العدالة الاجتماعية إلى القيام بعملية هامة تضمن قيام الأشخاص بأدوارهم المجتمعية وحصولهم على ما يستحقونه من المجتمع. في عمليات العدالة الاجتماعية الحالية وحركاتها، تم الترُكيز على كسر الحواجز وإزالة العوائق للحراك الاجتماعي، وتأمين العدالة الاقتصادية، وإنشاء شبكات الأمان.والعدالة الاجتماعية التي تختص بالحقوق والواجبات في هيئات وإدارات ومؤسسات المجتمع، ما يمكّن الناس من الحصول على الفوائد الرئيسية والتعاون. وفي الغالب ما تشمل المؤسسات والإدارات والهيئات على الضرائب، والصحة العامة، والتأمينات الاجتماعية، والخدمات العامة، والمدارس الحكومية، وقانون العمل، لضمان توزيع عادل للثروة على الجميع دون استثناء، وتحقيق تكافؤ الفرص.
ويعتبر تعزيز وتثبيت الانتقال إلى النظام الرسمي شرطاً أساسياً وضرورياً للحدّ من انتشار الفقر والحرمان وغياب المساواة، وزيادة الانتاجية، وتعزيز العمل المناسب، واستدامة المؤسسات والهيئات والإدارات، وتوسيع نطاق عمل ونشاط الحكومة، بخاصة في أوقات الأزمات.
الجدير بالذكر أنّ فكرة العدالة الاجتماعية قد تم طرحها كمصطلح رسمي في أربعينات القرن التاسع عشر على يد الفيلسوف والكاهن الإيطالي أنطونيو روزميني سيرباتي (1797-1855) م، والكاهن لويجي ناباريللي دزايلجيو (1793 ـ 1862) م وكلاهما من الأساقفة الكاثوليك . فقد كان ما كتباه عبارة عن دعوة لتطوير مفهوم العدالة الاجتماعية بما يتناسب مع مفهوم (العدالة العامة) كما وردت في الكتاب المقدس.وكان النقاش قد اتسع فيها بشكل تدريجي حتى أصبحت في صلب النقاشات السياسية خلال القرن العشرين الماضي. وفي حقيقة الأمر فإنّ الحوارات والنقاشات الدائرة حول العدالة الاجتماعية تستند إلى تبني الحكومة سياسات توزيعية، أوسع نطاقاً مما كان سائداً لها في الأزمنة الماضية. وكان الفيلسوف الأمريكي جون رولز قد صاغ نظرية (العدالة التوزيعية) كفلسفة أخلاقية لها سماتها الخاصة، وكنظرية سياسية تؤكد بأنّ كل شخص في مجتمع ما له الحق بالمساواة في الحصول علي الفرص المتاحة، وأنّ الحرية من أهم المكونات الرئيسه للعدالة ومن الحقوق الإنسانية التي لا يمكن أن تتحقق العدالة الإجتماعية في غيابها.
أما الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط فقد عرَّف العدالة الاجتماعية بأن الأمر لا ينحصر في توفير الرفاه المادي وحمايته بل يجب أن يكون هدفه الرئيسي هو كرامة الإنسانية.
بشكلٍ عام يبدو أنّ المفهوم الواسع للعدالة الإجتماعية هو إنتفاء الظلم والقهر وإقامة العدل في المجتمع،وهذا الأمر يستوجب بسط الحريات والعدالة في توزيع الفرص، والوفاء بالحقوق، وهي بشكل عام عبارة عن نظام إجتماعي إقتصادي بين طبقات المجتمع الواحد يهدف الى إزالة الفوارق بينهم جميعاً.
فوفقاً للتوصيات التي قدمت حول الانتقال من الاقتصاد غير الرسمي وإقرار بأنّ مسارات الانتقال إلى النظام الرسمي تعتمد على الحالات التي تمر بها البلاد وظروفها الوطنية، وحالة الخطط الشاملة المتكاملة التي تعالج الدوافع المتنوعة والمتعدّدة للسمة غير الرسمية تؤدي عملها بشكلٍ أفضل. وتجمع المشاريع والخطط العامة المستجدية للنوع الاجتماعي بين إضفاء الطابع الرسمي عليها بين التدخلات المباشرة أو غير المباشرة لزيادة قدرة الاقتصاد الرسمي على إتاحة فرص العمل المناسب واستيعاب الوحدات الاقتصادية. وتعزيز قدرة الأفراد والمؤسسات والهيئات والإدارات على دخول الاقتصاد الرسمي الذي يمكن أن يحقق العدالة الاجتماعية .
لقد هاجم حفنة من المشككين المتطرفين فكرة العدالة الاجتماعية بخاصة من مفكري اليمين المحافظ الليبرتاري المنادين بفلسفة الحرية ،ويسميها البعض مذهب مؤيدي مبادئ الحرية، هؤلاء اعتقدوا أنها يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الحرية الشخصية وتآكلها، بخاصة حالة الحرية الاقتصادية التي لا يمكن للسوق أن يستغني عنها .ومن بين ابرز الفلاسفة والمفكرين الذين هاجموا فكرة العدالة الاجتماعية الفيلسوف وعالم الاقتصاد النمساوي البريطاني فريدريش أوغست فون هايك ( 1899- 1992) م الحاصل على جائزة نوبل تكريماً لعمله الرائد في مجال التقلبات الاقتصادية والنظرية النقدية. الذي احتجّ على أساس أنّ العدالة لها علاقة خاصة بالفعل الفردي. مع العلم أنه يفهم الفعل بأنّه مجانب للعدالة. إذا تعارض مع القواعد العامة والمبادئ المرسومة التي وضعها المجتمع ليضبط إيقاع الحياة للجميع. لأنّ العدل مفهوم قائم بحد ذاته على الصواب العقلاني والأخلاقي، والحفاظ على سيادة القوانين والتشريعات وإدارتهما مع مراعاة جميع حقوق الأفراد دون استثناء، إذ يتمتع جميع الأفراد في المجتمع بحماية متساوية أمام القانون فيما يتعلق بحقوقهم المدنية والشخصية، دون أي تمييز على أساس الهوية الجنسية أو العرق أو اللون أو الجنس أو الديانة، أو الإعاقات الجسدية. ولأنّ العدالة الاجتماعية شغلت الفكر الإنساني على مر العصور والأزمان وكانت من أهم قضاياه التي تكون هدفاً وسبباً في الكثير من التحولات الاجتماعية الرئيسية وتكون سبباً في أغلب الثورات في العالم .وذلك لأنّ العدالة الاجتماعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرية. لأنّ اتاحة الحريات تكون من أساس العدالة الاجتماعية. وهذا ما أوجد تيارين يفسران ذلك المفهوم. التيار الأوّل ليبرالي يميني، والتيار الثاني ليبرالي يساري . التيار اليميني يرى أنّ العدالة الاجتماعية تطالب بإعادة توزيع الثروة لأبناء المجتمع. وهذا بالتأكيد يتعارض مع الملكيات الخاصة والذي بدوره يهدم ويلغي أهم ركن في العدالة الإجتماعية وهو ركن الحرية والملكية الخاصة. أما التيار الليبرالي اليساري فإنه يرى أنَّ العدالة من بين أهدافها الرئيسية هو إعادة إعطاء الحقوق للفقراء والمحتاجين والضعفاء بعد أن سلبت منهم.وفي هذا السياق لا تعني العدالة الإجتماعية المساواة بين أفراد المجتمع جميعهم فذلك لوجود فروقات جوهرية وأساسية بينهم تتمثل في الجهد والخبرة والعلم.كما تتوافر العدالة الإجتماعية إذا كانت هنالك تنمية متوزانة في المجتمع .مع أنّ العدالة الاجتماعية تقوم على مرتكزات وقواعد رئيسية منها : الحياة الكريمة، والمساواة ، وتأمين الاحتياجات الأساسية لكل مواطن مع تأمين الفرص. فكل مواطن يحتاج إلى الغذاء والدواء والمسكن والتأمين الصحي والتعليم والتربية ، إضافةً إلى العمل له الحق الإنساني بالشعور بالسعادة. ولذا فإنّ العدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقها إلا إذا كان هناك سياسات تضمن الالتزام والوفاء بتحقيقها.