الصين بين الماضي والحاضر وخطاب التحدي الصيني المعاصر

21 يوليو 2021آخر تحديث : الأربعاء 21 يوليو 2021 - 8:29 مساءً
مقالات وآراء
الصين بين الماضي والحاضر وخطاب التحدي الصيني المعاصر

بقلم : عماد خالد رحمة .

ما زالت جمهورية الصين الشعبية ترى في نفسها القطب الثاني الجديد على الساحة الدولية . تأكَّد ذلك من خلال اللغة النارية التي ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينج يوم 30 حزيران الماضي، حيث قال : (لقد ولّى إلى غير رجعة الزمن الذي كان يُمكن فيه أن يُداس الشعب الصيني، وأن يعاني، وأن يُضطهد من غيره من دول العالم). فقد كانت لغة التحدي في خطابه واضحةً وضوح الشمس وأكّد في خطابه الهام الذي ألقاه في الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني على عمق التاريخ الصيني وحضارته التي أذهلت العالم،وصمود بلاده في وجه كل المعتدين على مدار التاريخ السياسي القديم والحديث والمعاصر،مذكراً بما شهدته الصين من حروب أفيون واستعمار غربي وغزو ياباني وحشي ، ليشيد من ثم بما حقَّقه الحزب الشيوعي الصيني من تحسين في مستويات الحياة العامة للمواطنين الصينيين ،واستعادة للفخر الوطني. ويأتي هذا الخطاب الحساس في وقتٍ تتطور فيه التحديات الأمريكية. وتنمو بشكلٍ لافت ضد الصين باعتبارها الخصم الدولي الأول للولايات المتحدة الأمريكية ،وقد تجلى ذلك خلال جائحة كوفيد 19 ( كورونا) التي استغلتها الولايات المتحدة الأمريكية أبشع استغلال ، لتوجيه سهام النقد والتقريع والاتهام لها وتشويه سمعتها الدولية من خلال الادعاء، بأنها وراء تصنيع ونشر فيروس كورونا بهدف الإضرار بالشعوب واقتصادها ومستقبلها. حتى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أطلق عليه (الفيروس الصيني) في محاولة منه لتوريط الصين وإجبارها لدفع كل خسارات دول العالم جراء الأزمة الاقتصادية والصحية الصعبة .
لقد رسم الرئيس الصيني شي جين بينج في خطابه معالم طريق الصين في المستقبل، وهو طريق يقوم على الصمود والتحدي حتى النهاية، تحدي القوى الغربية التي لا تزال تعمل على إعادة فرض الهيمنة على الصين أو تحجيمها والضغط عليها ،أو منعها من تحقيق ذاتها كقوة دولية إلى جانب القوى الدولية الأخرى.
ومبدأ الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بعامة من جهة وجمهورية الصين الشعبية من جهةٍ ثانية يقوم على فكرة الغالب والمغلوب القوي والضعيف . فالصين وما تملك من قوة وإمكانيات ، تسعى إلى التحدي وإثبات وجودها كقوة دولية في طريقها لأن تكون القطب الثاني في العالم ، مستغلة جوانب عديدة في ماضيها وحاضرها، فهي قد عانت من الاستعمار الغربي طويلاً ، بدءاً من حرب الأفيون أو حروب الأفيون وهما حربان ،سميتا بحرب الأفيون قامتا بين الصين الإمبراطورية المحكومة آنذاك من قبل سلالة تشينغ وبريطانيا. وفي الحرب الثانية انضمت فرنسا إلى جانب بريطانيا. لقد قامت حرب الأفيون في عام 1839 م، وكان من نتائجها أن أصبحت هونغ كونغ مستعمرة بريطانية. ثم تدخلت فرنسا والولايات المتحدة في وقت لاحق لإخضاع الشعب الصيني بشكل كامل، وهذا ما دفع بالإمبراطور يونغ تشينج في عام 1829 م بإصدار أول مرسوم بتحريم استيراد المخدرات حتى لقد أصبح الإمبراطور الصيني ألعوبة بيد هذه الدول،ما أدى في النهاية إلى انهيار الامبراطورية التي ظلت تحكم الصين،وأعلن السياسي الصيني صن يات سن،عام 1912 قيام الجمهورية الصينية، لكن هذه الجمهورية ولدت ضعيفة وغير قادرة على إثبات ذاتها بين الدول ،ولم تقوَ على الصمود. فقد ارتكبت في هذه الحروب مجازر وحشية بشعة من البريطانيين وحلفائهم، وخالفوا كل القيم الدينية والبشرية وعملوا على نشر تعاطي الأفيون بين الشعب الصيني ،استمر هذا الداء مستشريًا في الصين حتى مطلع القرن العشرين حتى قضي على تعاطيه نهائيًا في عهد الرئيس ماو تسي تونغ القائد الشيوعي الكبير في الصين. وكان قيام الاتحاد السوفييتي السابق إثر الثورة البلشفية الشيوعية عام1917،ملهماً للكثير من رجال الفكر والسياسة في العالم، ليحذوا حذوه، ويقيموا مثله في بلادهم، ثم أسس المثقفان الصينيان تشن دوكسيو، ولي تا تشاو الحزب الشيوعي الصيني عام 1921 م، الذي نجح في الانتشار وسيطر على الجناح الأيسر لحزب الكومينتانغ، الذي أسسه (صن يات سن)،في وقت لاحق، وفق القواعد اللينينية، وعندما تُوفي قائد حزب الكومينتانغ، في آذار 1925، ورث منصبه السياسي اليميني شيانغ كاي شيك،أول رئيس دولة تايوان ، وقائد عسكري صينى خاض ضد الجيش اليابانى فى الحرب العالميه التانيه وهو حليف للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي بادر بالتحرك لتهميش المكانة الخاصة بالشيوعيين. توفي في العام 1975 م .ما أدى إلى وقوع الحرب بين الطرفين، واستغلت اليابان الواقع، فاجتاحت الصين عام 1931، كانت الحرب اليابانية الصينية الثانية نزاعًا عسكريًّا دار في المقام الأول بين امبراطورية اليابان وجمهورية الصين منذ 7 حزيران 1937 حتى تشرين الثاني 1945 ، بدأت الحرب بحادثة «جسر ماركو بولو» في عام 1937، إذ تصاعد النزاع بين القوات اليابانية والصينية ليصل إلى معركة حربية. فاتحد الخصمان ضدها، وبدأ الصراع الياباني الصيني الذي استمر حتى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، وتدخل الاتحاد السوفييتي السابق لصالح الشيوعيين الذين استولوا على كامل البر الصيني عام 1949. بينما لجأ المهزومون إلى تايوان التي وقعت تحت سيطرة بريطانيا وتحصنوا فيها. ولم تكن الولايات المتحدة تشعر بالرضى والموافقة على ذلك وهي ترى أن خصومها الشيوعيين قد سيطروا على الصين، فقرّرت حصارهم،وهكذا وقعت الصين تحت حصار غربي صارم خانق ،استمر لسنوات إلى حين قيام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون . وهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابع والثلاثون بزيارة بكين، وأعلن عن ولادة فجر جديد في العلاقة بين البلدين. وقد قادت تلك الخطوة إلى الانفتاح على الصين، وتم سحب الاعتراف بتايوان كممثل للشعب الصيني، وتم تسليم مقعد الصين في مجلس الأمن إلى بكين. غير أنَّ الصين الشعبية لم تخضع على الرغم من خطوة الولايات المتحدة الأمريكية، بل استمرت في مسيرة التحديث والتطوير لمنتجاتها وقواها الاقتصادية ، والسعي لبناء علاقات تعاون مشترك مع مختلف دول العالم، ونجحت في خلق بنية تحتية صناعية قوية حتى أن الصناعات الصينية ومنتجاتها دخلت إلى كل بيت في العالم ، وأصبحت الصين خزينة للأموال القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية ما جعلها تربح عشرات التريليونات من الدولارات.
وعندما انطلقت الولايات المتحدة الأمريكية متجاوزةً أزماتها الاقتصادية التي عانت منها عام 2008 ، أدركت تمام الإدراك أنَّ مسار السقوط لن يتوقف ما لم تنجح في تعطيل آلة الصناعة والاقتصاد الصيني الذي يتطور بسرعة كبيرة . لذا فقد أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مبدأ التوجه نحو الشرق لمحاصرة الصين، والوصول إلى دول شرق آسيا ، وبدأت السياسة الأمريكية تحشد القوى الدولية الحليفة وغير الحليفة، لتشكيل جدار فولاذي حولها. وقد اتخذ ذلك الصراع شكل محاور وتحالفات دولية بعد أن وقفت جمهورية روسيا الاتحادية إلى جانب الصين، فأصبح هناك محور شرقي متمثل بالصين ودول شرق آسيا في مقابلة التكتل الغربي المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأوروبية . ما أدى إلى انقسام العالم وزادت مخاطر وقوع حروب دولية جديدة لا تحمد عقباها.

المصدرعماد رحمه + المركز الفلسطينى الأوروبى للإعلام
عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق