إذا كان هناك مؤرخون وعلماء انثربولوجيا من طراز عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي )بيير كلاستر (Pierre Clastres (17 أيار 1934-29 حزيران 1977) م. وصاحب فكرة (مجتمع بلا دولة) أو (مجتمع ضد الدولة) وهو عالم في مجال الأنثروبولوجيا السياسية.
هؤلاء المؤرخون وعلماء الأنثروبولوجيا تحدَّثوا مطوَّلاً عن مجتمعات ما قبل الدولة، مع العلم أنه لدينا عدّة آلاف من الأسباب المتنوعة ما يكفي لتبرير الكلام عمّا بعد الدولة، وهو بالتأكيد ليس الحرية، بل الفوضى بالمعنى الذي بشّر به الثوري اللاسلطوي الروسي ميخائيل ألكسندروفيتش باكونين (1976 ـ 1814) م مؤسس للاسلطوية الجمعوية . فقد كان يُصّنَّف بأنه من اتباع الفلسفة المثالية التي هي واحدة من الفلسفات الميتافيزيقية، التي تؤمن بأنَّ الواقع لا يمكن تمييزه أو فصله عن الإدراك والفهم البشري ،لأنَّه مجبول في العقل وتلافيف الدماغ. أو مرتبط بشكلٍ وثيق بالأفكار وفقاً للفيلسوف الألماني إيمانويل كانت ،أو إيمانويل كانط (Immanuel Kant) الذي عاش من القرن الثامن عشر (1724 – 1804) م. في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا وكان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية.
ولأنَّ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ( Immanuel Kant) أحد رواد الفكر المثالي الحديث، فقد أُطلِقَ على هذا الحيِّز من المثالية: المالية (المتعالية) و(النقدية) باعتبار أنّها تدلٌّ دلالة ً واضحةَ، كيف يتعالى فيها الواقع بشكلٍ كلِّي. ومن غير الممكن التفكير فيه بطريقةٍ منفصلةٍ عن المقولات والآراء والمفاهيم التي جُبِلَت معه في الإدراك والفهم البشري وعن طريقه .
ومن قبل ميخائيل ألكسندروفيتش باكونين كان السوفسطائي براتوغاروس الذي رأى أنَّ الفرد وحده مقياس الخطأ والصواب، والحقيقة والوهم. إلى آخر هذه الثنائيات اللا متناهية ؟. أما عالم الأنثروبولوجيا والإثنيات الفرنسي بيير كلاستر Pierre Clastres) (17 أيار 1934-29 حزيران 1977) م .الذي عُرِف بإسهاماته في مجال الأنثروبولوجيا السياسية، عبر عمله الميداني بين شعب الغواياكي في باراغواي ونظريته حول المجتمعات عديمة الجنسية. ولأنه كان لا سلطوياً يبحث عن بديل للمجتمعات الغربية ذات التسلسل الهرمي، بحث فيما يخص الشعوب الأصلية التي لم تُعتبر السلطة لديها قسرية والزعماء لا نفوذ لهم.لقد أثارت آرائه وأطروحاته عن السلطة السياسية في المجتمعات البدائية المتأخرة ، حول الاقتصاد الإكفائي، والحرب عند البدائيين الكثير من الحوارات والنقاشات الساخنة .وفيما بعد ظهرت العديد من الدراسات التفصيلية في هذا المنحى التي تشرح ذلك. كما ظهر كتاب بيار كلاستر بعنوان (مجتمع اللادولة) الذي يتحدث فيه عن السلطة السياسية وعلاقتها بالاجتماع .ففي عام 1971م ، أكّد في محاضراته في القسم الخامس في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا،على حقيقة أفكاره حول (مجتمع اللا دولة) وعندما رُقِّي إلى مدير دراسات الدين ومجتمعات الهنود في أمريكا الجنوبية في تشرين الأول عام 1975.م كتب المزيد من الدراسات الأنثروبولوجية السياسية بهذا الخصوص . وفي العام نفسه غادر مكتبه كباحث في مختبر الأنثروبولوجيا الاجتماعية -الذي عمل فيه منذ عام 1961- بعد اعتراضات حول نظريات ليفي شتراوس. في عام 1977م ، شارك في تأسيس جريدة بعنوان : (الحر) إلى جانب الأعضاء السابقين في علم اجتماع الهمج وهم: الفيلسوف والناقد الاجتماعي والاقتصادي والمحلل النفسي والكاتب اليوناني الفرنسي كورنيليوس كاستورياديس (Cornelius Castoriadis) (11 آذار1922– 26 تشرين الثاني 1997) م، وعالم السياسه والفيلسوف الفرنسي ميغيل أبينسور ،و الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي مارسيل غوشيه ، الذي عمل مديرا للدرسات بالمدرسة العليا للأبحاث في العلوم الاجتماعية، مركز الأبحاث السياسية ريمون آرون. من أهم مؤلفاته: (فك السحر عن العالم وكتاب (التاريخ السياسي للدين) (1985) م، وكتاب (الدين في الديمقراطية) (1998) م، وكتاب (الشرط السياسي) (2005) م، وكتاب (من أجل فلسفة سياسية للتربية) (2013 (م.والفيلسوف والناشط السياسي الفرنسي كلود ليفورت Claude Lefort. وموريس لوسياني. ولاحقًا ذاك العام.
ولأننا نرى من وجهة نظرنا أنّه يمكن أن َ نتخيَّل السياسي دون عنف، ولكننا لا نستطيع أن نتخيَّل الاجتماعي دون السياسي .إنه اجتماع بلا سلطة، ولأنَّه أيضاً لا اجتماع بلا سلطة ،وليس كل سلطة سياسية جوهرها العنف والتراتبية والقسر. لقد ساهمت الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا بتصنيف أنواع المجتمعات بعد دراسة معمَّقة إلى نوعين : مجتمعات الدولة ومجتمعات اللادولة. مع العلم أنَّ التراث والتاريخ الأوروبي يرى السلطة السياسية أو سلطة الدولة قائمةً بالأساس على الاحتكار القانوني الشرعي للعنف، وعلاقة قهر وإجبار دون تهاون أو مهادنة، من هنا أخذت الإثنولوجيا وهي علم الأعراق أو الأثنولوجيا التي هي فرع من الأنثروبولوجيا أخذت تلك المسلّمة دون مراجعة، وبالتالي يتم الحديث عن المجتمعات البدائية المتأخِّرة بأنها مجتمعات لاسلطوية، أي مجتمعات ما قبل الدولة، وما قبل التاريخ .
ليس هذا فحسب ،بل إنَّ تلك المجتمعات تمتلك من الآليات وقوى الضغط الكبرى كالأجهزة الأمنية المدرّبة ،والقوى العسكرية المدجَّجة بالسلاح،ما يمكِّنها من الإمساك جيداً بزمام السلطة حتى لا تقع في أيدي فرد واحد فقط، تلك المجتمعات تمتلك من الآليات والأدوات وأفكار الطغاة ما يمكّنها من تحوِّلها إلى دولة، لأنّها تدرك تمام الإدراك ما في الدولة من انقسامٍ، وتراتبيةٍ، وعنفٍ وتسلُّطٍ وظلم. وتلك المجتمعات استمرت في الوجود بسبب حفاظها على وحدتها الداخلية. فهي ضد الانقسام والتشظّي أو التلاشي. إنها ليست مجتمعات ما قبل الدولة اللا تاريخية كما كانت تعاملها الأنثروبولوجيا بكل فروعها، بل هي مجتمعات بالأساس ضد الدولة، إنها تقاوم الانقسام أو التلاشي الذي سينتج عن الدولة.لقد استشعرت هذه المجتمعات منذ وقتٍ مبكِّر أنَّ السلطة وسطوتها وعلوِّها وسموها تخفي فيما خلفها خطراً داهماً ومميتاً على الجماعة، وبأنَّ مبدأ السلطة الخارجية عن المجتمع الذي هي خلقت شرعيتها الخاصّة، ما هو إلّا إنشقاق خطير جداً عن الثقافة نفسها. ولأنَّ فلسفة المجتمعات السياسية عندما اكتشفت القرابة الكبيرة التي تجمع الطبيعة والسلطة بما هي حدث مزدوج ومباشر لعالم الثقافة ،قد عرفت انتاج وسائل عديدة لتحييد السلطة عن مهامها، وهي بالضبط السلطة السياسية وتجريدها من صلاحياتها. من هنا ندرك أنَّ هذه المجتمعات قد اختارت لنفسها أن تكون مؤسسة هذه السلطة. ولكن لا يسمح بظهورها الواضح والمباشر إلّا كسلبية تم كبحها بشكلٍ مباشر