بقلم: عماد خالد رحمة :
عندما تنتشر الثقافة الإنسانية الفاعلة والتشاركية تنتهي ثلاثة أرباع الحروب والصراعات والنزاعات في العالم . ومن أجل ردم الفجوة بين الثقافات وتقريب المسافات بين الأفراد والجماعات ،يعتبر انتشار الثقافة الإنسانية مسألة في غاية الأهمية والضرورة ،وهي عملية مهمة وحرجة في آنٍ معاً، لأنها تهدف في نهاية الأمر إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار والتنمية . حيث تكمن أهمية التنوع الثقافي وضرورته بوجوده وواقعيته، لأنه يشكِّل القوة المحركة للتنمية ، مثل النمو الاقتصادي، الذي يعتبر وسيلة لعيش حياة فكرية ومعنوية وعاطفية وروحية أكثر اكتمالاً لصالح الفرد والمجتمع ،وهو ما تنص عليه القرارات والتشريعات والصكوك الدولية التي تعمل في مجال التراث الثقافي .والتي تتيح إيجاد ركيزة قوية وصلبة لتعزيز وتثبيت التنوع الثقافي .من هنا يمكننا أن نعتبر التنوع الثقافي ميزة هامة وضرورية جداً لأنه يحد من الجهل والفقر والتخلف ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة ،في الوقت نفسه يساهم القبول بالتنوع الثقافي والاعتراف به وبدوره من خلال الاستعمال الإبداعي للميديا وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكلٍ خاص .في خلق الحوار البنَّاء بين الثقافات والحضارات الإنسانية المتعاقبة ،وفي بلوغ تبادل التفاهم والتقدير والاحترام .
ولأنَّ الثقافة هي ما يشكّل الإنسان ويكوِّن هويته وكينونته وسلوكه وطريقته في العيش بما تشمله من لغة وقيم وأخلاق ومعتقدات ومعايير وسلوكيات والأشياء المادية المشتركة التي تستمر بالانتقال من جيل إلى آخر.المهم في الأمر أنَّ الاختلاف والتنوع بين الثقافات هو جوهر الإنسانية التي تعول في تفاهمها وبقائها وديمومتها على اندماج مجموعة مختلفة من الهويات في نظام اجتماعي واحد يعتمد على مبادئ التسامح والحب والتقدير،ونبذ العف والكراهية، واحترام خصوصية كل ثقافة.
لقد أكَّد الإعلان العالمي للتنوع الثقافي في مؤتمر اليونسكو عام 2001 م في تعريفه للتنوع الثقافي بأنّه (تراثٌ مشترك للإنسانية) يهدف إلى حماية مصالح الأفراد والجماعات والثقافات المختلفة وإلهام بعضها البعض، ما يؤدي إلى تفاهم أقوى وإنتاجية أفضل .ولما كانت كرامة الإنسان والتي يجب أن لا تُمَس ، تقتضي نشر الثقافة وتنشئة الناس جميعاً بكل أطيافهم على مبادئ العدالة والحرية والسلام، فإنّ هذا العمل الهام جداً بالنسبة لجميع الأمم يُعدّ واجباً مقدساً ينبغي القيام به في روح من التعاون الخلَّاق المتبادل.فعندما يعيش الناس في مجتمع متنوع ثقافياً ومتلوِّن بتلوين تركيبتهم الاجتماعية يكتسبون المعرفة ويستلهمون من الآخرين ما يساعد على تحفيز المواهب والرغائب،وتبادل الأفكار المبتكرة ويفتح المجال واسعاً لاحترام أشكال الثقافة الأخرى وإظهارها واحترامها وتقديرها ،ومناقشة القضايا العالمية التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير وهام على التنمية . مع الالتزام بحوار مبدأي خلَّاق لا يؤدي إلى سوء فهم أو إحراج لأيّ كان. متطلعين إلى مزيد من التضامن القائم على الاعتراف بالتنوع الثقافي والاعتراف بالآخر وعلى الوعي بوحدة الجنس البشري وتنمية المبادلات فيما بين الثقافات. وتساعد حماية حقوق الأفراد والجماعات وتزويدهم بالقدر الضروري الملائم من التسهيلات المناسبة وإتاحة الفرص المتاحة للتفاعل الاجتماعي والتعاوني والتوعية بأهمية وضرورة التنوع الثقافي على تعزيز الانسجام والتآلف المجتمعي باعتباره طريق التنمية المستدامة ،وثقافة التعايش السلمي وتحقيق الطمأنينة والأمن والأمان ،ونبذ كل ما يخلق حواجز وحدوداً بين الناس ،وتأسيساً لتفاهم وانسجام بين جميع أفراد المجتمع ودعماً قوياً للمجتمع.إنّ مصطلح (المساواة) يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنوع الثقافي وهو ما يسمح لنا بتبادل التعلم من بعضنا البعض، وأن يكون لدينا مستوى مناسب من التفاهم يسهل التعاون المشترك بيننا .ويضع على عاتقنا جميعاً مسؤولية الحفاظ على التنوع الثقافي في مجتمعنا، للمحافظة على ظروف معيشية وإنسانية أفضل لأنفسنا وللعالم من حولنا ، ولنتبادل المعلومات والخبرات بصفتها الأساس للتطور في ظل وجود التكنولوجيا الحديثة المتطورة التي سهلت الوصول إليها من أجل تعزيز الاندماج الثقافي وتوسيع قاعدة المهارات والخبرات المتنوعة وتقديم نطاق أكبر من المنتجات والسلع والخدمات والفرص المهمة للنمو الشخصي والمهني للأفراد في المجتمع ككل .
إنَّ التنوع الثقافي يتيح للمجتمعات التعرف إلى الثقافات الأخرى على كثرتها وتنوعها وفهم وجهات النظر المختلفة داخل العالم الذي نساهم في بنائه ونعيش فيه،وتبديد الصور النمطية السلبية والتحيزات الشخصية تجاه الأفراد والمجموعات المختلفة.من هنا يمكننا رؤية الإلهام الأصلي لنظرية وجهات النظر في أعمال الفيلسوف المثالي الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل، ، الذي درس وجهات النظر المختلفة بين العبيد والأسياد في عام 1807.م وادعى أن العلاقة بين السيد والرقيق تتعلق بمواقع انتماء الناس واهتمامهم،وأن الجماعات تؤثر بشكلٍ أو بآخر على كيفية تلقي الناس للمعرفة والسلطة الحاكمة . كما يساعد تفاعل الأفراد وتفاهمهم مع الآخرين داخل المجتمع على بناء جسور الثقة والمحبة والاحترام وهو ما نرجو توطيده في وطننا العربي وذلك من منطلق حكمة تعي بأن لكل فرد من أفراد أمتنا العربية له أحقية المشاركة والمساهمة بقواه وإمكانياته الفردية،كما له دوركبير وإيجابي في المجتمع .وبأن إرساء مفاهيم التسامح والتعايش والمحبة الإنسانية تفسح المجال أمام المواهب المتنوعة ثقافياً للتفاعل والتشارك والتعاون من منطلق كونها عاملاً أساسياً للتنمية المستدامة وقاعدة متينة لبناء المجتمعات الإبداعية على تنوعها وتعددها .