” الاتحاد الاوربي اخر من يعلم “. الخبير في الشؤون السياسية الاستراتيحية فهد جبريل

5 مارس 2022آخر تحديث :
” الاتحاد الاوربي اخر من يعلم “. الخبير في الشؤون السياسية الاستراتيحية فهد جبريل

” الاتحاد الاوربي اخر من يعلم “
لا يمكن فهم مستوى ردة فعل الاتحاد الاوروبي و حجم العقوبات المعلنة من طرفه ردا على التغلغل العسكري الروسي في اوكرانيا الا في سياق الارتباك الكامل امام هذا المشهد الجيو سياسي الغير مسبوق الذي تعيشه القارة الاوروبية منذ الحرب العالمية الثانية ،
و لا شك ان هذه العقوبات المعلنة و التي شملت عقوبات اقتصادية و سياسية و ثقافية و رياضية و وصلت الى حدود غير مسبوقة من التخبط، بل انها شملت عقوبات مثيرة للسخرية و الاستهجان ، مثل فصل الطلبة الروس من جامعاتهم الاوروبية و منعهم من متابعة دراستهم الجامعية !!
لقد كانت الخطوة العسكرية الروسية الاستباقية في اوكرانيا واصرار روسيا على القيام بهذه الخطوة بعد فشل جميع وسائل المفاوضات و الحوار و الديبلوماسية لاقناع الولايات المتحدة الامريكية و حلفائها الاوروبيين في حلف الناتو للتعامل بجدية مع الطلبات الروسية المتعلقة بالامن المشترك في الاقليم.
لا بد ان هذه التطورات المتسارعة على الجبهة الروسية – الاوكرانية مفاجئة الىى حد دفع دول الاتحاد الاوروبي للتخبط في طريقة الرد و حصول انقلاب في موقفهم الداعي الى ضبط النفس و الحوار بين اطراف الازمة.
و من الواضح انهم تفاجئوا ايضا بمستوى التنسيق الامريكي – البريطاني – الاوكراني بعيدا عنهم للتحضير على مدى اشهر ماضية لجملة من الاستفزازات العسكرية للجار الروسي تمهيدا لجره الى مستنقع حرب استنزاف طويلة الامد تنهك قواه و تحد من طموحاته بالتقدم في شرق اوروبا ( وتحديدا في اوكرانيا) ، فهذا ما كشفته تفاصيل الاحداث اللاحقة .
لطالما كان موقف الاتحاد الاوروبي من روسيا الاتحادية متطابق مع موقف الولايات المتحدة الامريكية ، فهو يريد روسيا ضعيفة سياسيا و تابعة اقتصاديا و ليس روسيا قوية يمكن ان تعود يوما ما لتشكل قطبا دوليا كما كانت عليه في العصر السوفييتي السابق.
ان ضمان السيطرة الاوروبية اقتصاديا و لاحقا عسكريا على اوكرانيا و فسخ شراكتها مع روسيا الاتحادية تشكل ركنا اساسيا و دائما من اركان سياسة الاتحاد الاوروبي،
الاختلاف مع امريكا و بريطانيا كان حول اسلوب الوصول الى هذا الهدف، فالاوروبيين يفضلوا الاساليب الناعمة و طويلة النفس دون الاضطرار لاستفزاز الجار الروسي للاشتباك العسكري،
خاصة وان روسيا اصبحت تشكل حيزا اقتصاديا هاما لاوروبا من حيث كونها سوقا ضخمة للاستثمار و مصدرا رخيصا و فعالا للطاقة و المواد الاولية و خاصة الغاز،
لا شك ان التطور السريع الذي شهدته روسيا في مجال اعادة بناء الدولة الروسية الحديثة و اعادة سيطرة الدولة على مصادر الثروة الوطنية و الانفتاح الكبير على التعاون في المجال الدولي مما فتح المجال امام توقيع شراكات استراتيجية مع عدد من الدول الهامة كالصين و الهند و البرازيل و جنوب افريقيا ،،
و شيئا فشيئا اخذ الدور الروسي في المعادلة الاوروبية بالتعافي ، كل هذا رافقه تطور متسارع في القوة العسكرية الروسية لتعيدها مرة اخرى في المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية،
على الجهة المقابلة ، كانت الادارة الامريكية الحالية تحاول جاهدة استعادة زمام المبادرة في علاقتها مع اوروبا و حلف الناتو، و من اجل ذلك سرعت من خطواتها التصعيدية و الاستفزازية في اوكرانيا خاصة في ظل وجود شريك محلي ( الحكومة الاوكرانية الحالية) جاهز و مستعد لتنفيذ الخطة الامريكية ،
لقد عملت امريكا على ابقاء معظم تفاصيل الخطة المتعلقة باوكرانيا بعيدة حتى عن بعض حلفائها الاوروبيين و الذين يمكن ان يعارضوا الخطة او يطلبوا التعديل عليها،
و امام اعلان روسيا عن حملتها العسكرية في اوكرانيا، وضعت الولايات المتحدة الامريكية حلفائها في الناتو امام الامر الواقع و اجبرتهم على اعلان حرب شاملة غير عسكرية على روسيا تمثلت باقسى مستوى من العقوبات ، فالاوروبيين لا يختلفوا بالجوهر عن الحلف الانجلو- ساكسوني ، فهم كغيرهم من دول الاستعمار القديم لم يتخلوا في اي لحظة عن اعتبار روسيا الاتحادية منافس على المستوى الاقتصادي – السياسي، و عدو على المستوى العقيدة العسكرية لحلف الناتو.
ان سياستهم الاستعلائية الاستعمارية بالتعامل مع باقي الدول خارج نادي الدول السبع و نظرتهم الى التطورات التي يشهدها العالم من الصين و باقي دول منظمة بريكس و منظمة شنجهاي تأكد اصرارهم على التمسك بسياسة المسيطر واصحاب نظرية القطب الواحد .
لم يحتمل الاتحاد الاوروبي ان تقول لهم دولة تشاركهم المجال الجيوسياسي في اوروبا و المقصود هنا روسيا الاتحادية ، لم يحتملوا ان تقول لهم لا كبيرة فيما يتعلق بخطتهم الهادفة الى احكام الطوق و الحصار على روسيا من جهة شرق اوروبا ،
و لهذا سارعوا و خلال ساعات فقط من بداية الحملة العسكرية الروسية الى التموضع مجتمعين مرة اخرى و اصطفوا جميعا يصفقون للرئيس الاوكراني الذي طالبهم بمزيد من المشاركة في الجهد العسكري بما فيها الاسراع فورا في الموافقة على ضم اوكرانيا الى حلف الناتو و الاتحاد الاوروبي، و اصبحت مصطلحات المقاومة الاوكرانية البطولية، مفردات يستخدمها الساسة الاوروبيين الذين يتباكوا على حقوق الانسان الاوكراني و في نفس الوقت ينتهكون حقوق الانسان في بقاع العالم اجمع،
من المبكر الان تقديم صورة واضحة و شاملة لتأثير العقوبات الاوروبية و الامريكية على روسيا و خاصة العقوبات الاقتصادية، لكن من الواضح ان قدرة روسيا على امتصاص تأثير هذه العقوبات و التعايش مع معظمها اكبر بكثير من قدرة دول الاتحاد الاوروبي على تحمل ارتدادات هذه العقوبات على الداخل الاوروبي، و من الواضح ايضا ان خسارة دول الاتحاد لن تكون اقل من خسائر روسيا ، بل تفيد الارقام المعلنة حتى الان الى خسائر اوروبية و امريكية اكبر،
ان الشركات الاوروبية التي ستنسحب من السوق الروسي الان بسبب التزامها بالعقوبات الاوروبية ستخسر موقعها في الاقتصاد الروسي و ليس فقط اموالها وارصظتها و ممتلكاتها الانية،
ان قرار الاتحاد الاوروبي المتسرع باطلاق حزمة من العقوبات الاقتصادية و السياسية ، كان ناتجا عن ردة فعل وارتباك واضحين ، و الان بعد عدة ايام فقط بدأت الدوائر الرسمية الاوروبية تعلن عن تفاصيل مختلفة عن الاعلان الاول، مثلا الاعلان عن قرار تعليق عضوية البنوك الروسية في نظام سويفت العالمي للحوالات البنكية، و الان الحديث فقط عن سبعة بنوك روسية بما فيها البنك المركزي الروسي مع استثناء كافة المعاملات المتعلقة بالطاقة ، الغاز و المواد الزراعية الاساسية التي تعتبر جزء من الامن الغذائي الاوروبي،
بالتأكيد ستشهد الايام القادمة مزيد من حالة اعادة التفكير بطبيعة و نمط و حجم العقوبات الاقتصادية مع الابقاء على باقي العقوبات السياسية و الاعلامية .
ان موضوع الحسم العسكري في اوكرانيا من جانب الطرف الروسي لن يأثر كثيرا على الاشتباك الجيو سياسي مع اعضاء حلف الناتو، لكن من الواضح ان توقف الاعمال العسكرية و عودة الفرقاء الى طاولة الحوار و المفاوضات ستساعد الاتحاد الاوروبي و خاصة قيادة الاتحاد الممثلة بفرنسا و المانيا من تنفس الصعداء و تشكل مخرجا حقيقيا لهم لاعادة تقييم الموقف برمته في الاقليم و منها جملة العقوبات هذه،
ان تصريح الرئيس الفرنسي قبل يومين في خطابه ان اوروبا ليست في حالة حرب مع روسيا و اصراره على بقاء قنوات الاتصال مع الرئيس الروسي بوتين، مفتوحة و نشطة ، توضح بما لا يدع مجالا للشك ان اوروبا لا تريد مجرد التفكير بان شبح الحرب الشاملة الكونية يطرق ابواب اوروبا من جديد،
خلاصة الموقف الاوروبي يقع في محاولة اوروبا الدائمة بالافلات من الوقوع في المنتصف لتلقي الصدمات و الارتدادات من خطط و طموحات امريكا الخاصة بها و خطط روسيا في تحويل هدف ” عالم متعدد الاقطاب” الى امر واقع ، حتى لو كان ثمن ذلك الوصول الى خط الاشتباك العسكري كما اثبتت تطورات الاحداث الحالية في اوكرانيا،
لقد ان الاوان لقادة الاتحاد الاوروبي ان يشقوا طريقا يضمن لهم هامش اوسع من المناورة الجيو سياسية و الاقتصادية بعيدا عن خطط امريكا الذاتية، لقد اثبتت تجربة الاعلان عن الحلف الخاص الانجلو – ساكسوني ( امريكا، بريطانيا ، كندا و استراليا) ان الولايات المتحدة الامريكية عند الحديث عن مصالحها الخاصة تتخلى حتى عن اقرب حلفائها، ان تاريخ علاقاتها مع اوروبا و دول العالم الاخرى حافلة بهذه الامثلة.
ان اوروبا هي الخاسر الاول و الاكبر من سياسة دفن الرأس بالرمال و التعامل كأن هذه الاحداث تجري في قارة اخرى، و على النخب السياسة الاوروبية التي تمثل المواطن الاوروبي ان تدافع عن مصالح هذا المواطن دائما.

عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق