الإتحاد الأوروبي بين الضريبة الخضراء وحياد الكربون الأوروبي : بقلم : عماد خالد رحمة ـ ألمانيا

5 أغسطس 2021آخر تحديث :
الإتحاد الأوروبي بين الضريبة الخضراء وحياد الكربون الأوروبي : بقلم : عماد خالد رحمة ـ ألمانيا

نتيجة لما شهده العالم من آثار خطيرة لتقلب المناخ، الذي تجلى مؤخراً في حدوث فيضانات هائلة اجتاحت العديد من دول العالم، إضافةً إلى حالة الاحتباس الحراري المترافق مع هطولات مطرية غزيرة في معظم دول العالم
حاولت العديد من دول العالم العمل للحد من انتشار الاحتباس الحراري، كان من أهمهم العشرين الكبار، ومن ضمنهم الإتحاد الأوروبي الذي أوضح جزءاً من خطته المتمثلة في كيفية الحد من انبعاث الغازات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري خلال السنوات المقبلة، والتي من المحتمل إن استمرت على هذا النحو أن تُحدث ثورةً في العديد من القطاعات الهامة في العالم، مثل السفر الجوي، والشحن العابر للقارات. كما تعهدت دول الاتحاد الأوروبي المكوّنة من 27 دولةً بأن تصبح دول محايدة للكربون بحلول عام2050 م، وأن تقلل من انبعاث الغازات السامة التي تؤثر في طبقة الأوزون حيث ستصل إلى ما نسبته 55% على الأقل بحلول عام 2030 م عن مستويات الانبعاث لعام 1990م.
في هذا السياق أوضحت السيدة (أورسولا غيرترود فون دير لاين Ursula Gertrud von der Leyen ) رئيسة المفوضية الأوروبية وهي سياسية ألمانية تنتمي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، أوضحت آلية تحقيق ذلك بشكلٍ موسَّع ، ولأنها رئيسة المفوضية الأوروبية الذراع التنفيذي للاتحاد والناطقة باسمه فقد قالت : (بأنَّ الاقتصاد المعتمد على استهلاك الوقود الأحفوري وصل حدوده القصوى، ونريد أن نترك للجيل القادم كوكباً سليماً نظيفاً ووظائف جيدة ونمواً لا يضر بطبيعتنا ولا بكرتنا الأرضية، كما يتمثل التغيير الأساسي في المجالات السياسية في توسيع نظام تجارة الانبعاثات الخاصة بالدول الأوروبية مجتمعةً.وبموجب الخطة، يمكن للشركات الاعتماد على تجارة البدلات للتعويض عن الانبعاثات الحرارية وانبعاثات غاز الكربون من مصدر آخر داخل البلد أو خارجه، بحيث يبقى الحد الإجمالي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري للمنشآت ومشغلي الطائرات ضمن سقفٍ معين، وتريد المفوضية الأوروبية التخلص التدريجي من بدلات الانبعاثات المجانية لصناعة الطيران وتضمين الشحن لأوَّل مرّة، كما تريد أيضاً نظاماً جديداً لتجارة الانبعاثات لتوزيع الوقود على النقل البري العام والمباني والهيئات والمؤسسات والإدارات، ويعد قطاع السيارات وهو قطاع هام جداً من أكثر القطاعات تضرراً من القواعد الجديدة، حيث اقترحت المفوضية الأوروبية في بيانها فرض حظر فعلي على سيارات الديزل والبنزين بحلول عام 2035م.وهذا يعني أن نقاط الشحن يجب أن تكون متاحة بانتظام على الطرق السريعة الرئيسية، سواء للشحن الكهربائي أم للتزود بالوقود بالهيدروجين.
إضافة إلى ذلك، تهدف الخطط الجديدة الموضوعة إلى رؤية دول الاتحاد الأوروبي تنتج أربعين بالمائة من احتياجاتها من الطاقة النظيفة عبر مصادر متجددة بحلول عام 2030 م، لأنَّ المفوضية تريد تقديم سياسة خاصة تُعدّل من خلالها آلية تجارة الكربون عبر الحدود وانتشاره بين الدول، والتي يمكن وصفها بأنها ضريبة تخص البيئة.وهي آلية مصممة وفق معايير معينة لضبط السلع المصنّعة في أي دولة من دول العالم، وغير المتوافقة مع قواعد الانبعاثات الكربونية الصارمة، قبل توريدها إلى دول الاتحاد الأوروبي الــ 27.

من شأن ذلك أن يجبر الشركات التي تعمل داخل دول الاتحاد الأوروبي على دفع رسوم الكربون المعدّل من أجل استيراد السلع الضرورية من خارج كتلة الاتحاد.وستكون علامة السعر هي نفسها لا تتغير،وتلك التي كانت ستدفعها الشركات،إذا تم إنتاج البضائع وفقاً لقواعد تسعير الكربون في دول الاتحاد الأوروبي.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعربت في فترات سابقة عن مخاوفها بشأن خطة الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، فرض ضريبة حدودية على الكربون.وكان السيد جون كيري مبعوث الرئيس الأمريكي قد قال حول الضريبة: أنَّ هذه الضريبة الحدودية لها آثار خطيرة على الاقتصادات والتجارة ووصفها بأنها أداة الملاذ الأخير والحل النهائي لهذه المعضلة.
تقوم فكرة المفوضية الأوروبية على إدخال هذه الضريبة بشكل تدريجي،وستشمل القواعد الجديدة أولاً القطاعات الهامة مثل قطاع الإسمنت، والحديد والألمنيوم، والصلب، ثم تتبعها قطاعات أخرى موازية لها في الأهمية وتأتي في مرحلة أقل قليلاً.

وأعلنت المفوضية الأوروبية على لسان رئيستها السيدة (أورسولا غيرترود فون دير لاين Ursula Gertrud von der Leyen ) أيضاً نيتها تحديث القواعد الخاصة بفرض الضرائب على الكهرباء وهي الطاقة النظيفة، وفرض ضرائب على المحركات، ووقود الطائرات، والتدفئة، والمعروفة بــ فكرة ( توجيه ضرائب الطاقة)، وهي قواعد ما زالت سارية المفعول منذ عام 2003م ،وترى المفوضية الأوروبية أيضاً أنها غير متوافقة الآن مع أجندتها الخضراء وبرنامجها المقرّر.
من جهتها تعتبر المفوضية الأوروبية أنَّ الحد الأدنى لمعدلات الانبعاثات الحالية للكربون، والانبعاثات للغازات والانبعاثات الحراية بشكلٍ عام، تؤدي إلى الاحتباس الحراري، وجميعها قد عفا عنه الزمن، وبأنه لا يوجد هناك حافز لوقود أنظف مما هو موجود، كما لا توجد صلة وثيقة بين مستوى الضرائب والأثر البيئي، وهذا يدل دلالةً واضحة على أنَّه من المرجح أن تدفع شركات الطيران العالمية المزيد مقابل الوقود المستخدم، وبالتالي احتمالية تحصيل هذه التكاليف الزائدة من جيوب المواطنين والمستهلكين.وقد يكون الأمر نفسه صحيحاً بالنسبة للمواطنين وللعائلات إذا ما أرادوا شراء وقود لتدفئة منازلهم في الفصول الباردة من العام ،لأنَّ المناخ لم يعد كما كان في السابق،فالفصول اختلطت بعضها مع بعضها الآخر .
إنَّ قيادة المفوضية الأوروبية تدرك جيداً أن هذه الاقتراحات لن تخلو من التكاليف المالية الباهظة،لذا ستسعى جاهدةً لتقديم مساعدات مالية في هذا الصدد.حيث سيتم إعفاء الأسر الضعيفة والفقيرة من الضرائب المفروضة على وقود التدفئة،وهذا الإجراء يأتي لحماية المواطن بالدرجة الأولى، وستتلقى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تمويلاً للاستثمار في كفاءة الطاقة. وتتمثل إحدى الأفكار الهامة جداً أيضاً في استخدام إيرادات خطة تجارة الانبعاثات الحرارية وانبعاثات الغازات في دعم دول الاتحاد الأوروبي من أجل تعويض تكاليف الانتقال الأخضر للمواطنين الضعفاء وغير المحصّنين مادياً وهو انتقال آمن وفعَّال .
أفكار المفوضية الأوروبية هذه ستؤثر تأثيراً كبيراً في اقتصادات أخرى خارج كتلة دول الاتحاد الأوروبي بطرق مختلفة، وتشعر دول مثل بولندا وجمهورية التشيك والمجر بقلقٍ خاص، حيث سيتعين عليها إجراء تحوُّل هائل سيكون مكلفاً لا تستطيع أن تدفعه. إنَّ فرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الضريبة الخضراء على الوقود كان قد أثقل كاهل المواطنين ودفعهم للاحتجاج على نطاقٍ واسع. تلك الاحتجاجات هزت فرنسا في أواخرالعام 2018 م .

لذلك لم يغب عن ذاكرة المسؤولين في المفوضية الأوروبية هذا الموضوع، لذا كان النقاش حول حياد الكربون الأوروبي من أولى اهتماماتهم وأهم نقاشاتهم الموضوعية

عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق