إزدواجية معايير العنف السياسي ،، بقلم : عماد خالد رحمة

7 سبتمبر 2021آخر تحديث :
إزدواجية معايير العنف السياسي ،، بقلم : عماد خالد رحمة

لا يمكننا الحديث عن العنف السياسي دون التطرق إلى مفهوم العنف بشكلٍ عام . حيث نرى أن العنف هو الاستخدام غير الشرعي للقوة بكل أنواعها ، أو التهديد باستخدامها لإلحاق الضرر والأذى بالآخرين. حيث يعد انتهاكاً للشخصية. بمعنى أنه تعدٍ سافر على الآخر، أو إنكاره أو تهميشه ، أو تجاهله مادياً ، أو غير ذلك من الانتهاكات . أي أن مخاطبة الشخصية الفردية تعني إعطاء وصف كلي وشامل للعنف بأنه أكثر من الجسد والروح وحدهما، إنه يقر بأن الأعمال القهرية والانتهاكات بمختلف انواعها التي تسلب الشخصية هي أعمال عنف بكل مستوياتهم. فأي سلوك شخصي ومؤسساتي يتسم بطابع تجريبي أو تدميري مادي واضح ضد آخر، يُعد عملاً عنيفاً .حيث ندرك تماماً أن هناك عنف شخصي خفي، هذا النوع من العنف يؤذي الآخر نفسياً ويلحق به الضرر ، وهناك العنف المؤسساتي الخفي، حيث تنتهك البُنى الاجتماعية بما تحمله من أفكار وعادات وتقاليد وثقافة .كما تنتهك هوية بعض المجموعات البشرية والأفراد ، كما حدث ويحدث في المناطق العشوائية. فقد شهدت العديد من بلداننا العربية احتجاجات ومظاهرات اتسمت بالعنف الشعبي أو العنف الاجتماعي انطلقت من المناطق المهمشمة والعشوائيات.

وللعنف أيضاً مناهل أخرى ،منها العنف الذي ينبع من الفرد (الجسد والروح) إلى العنف الناتج عن علاقة مؤذية وضارة ناضجة عن الظلم والقهر والإجبار بين الأشخاص.
من هنا فإنّ العنف السياسي يتضمن كافة الممارسات القمعية ، التي تتضمن استخداماً فعلياً للقوة المفرطة ، أو تهديداً باستخدامها، وإرهاب الآخرين لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بشكل نظام الحكم وتوجهاته الأيديولوجية وعقائده الاستراتيجية ، أو سياساته الاقتصادية والاجتماعية. وانعكاسها على الآخرين . قد يكون العنف مدروساً وممنهجاً ومنظماً، أو غير منظم، وقد يكون فردياً أو جماعياً، كما يمكن أن يكون علنياً أو سرياً، وقد يكون مستمراً لفترات طويلة، أو سريعاً ومؤقتاً حسب الحالة وحجم الصراع ونوعه وطرائق استخدام العنف وأدواته .
لقد اعتبر العديد من المفكرين وكبار المثقفين وخبراء السياسة والاجتماع ، أشكال التمرد المسلح. وان استخدام العنف والقوة ضد الحكومات وإداراتها ومؤسساتها ووزاراتها ، واستخدام الحكومة القوة المسلحة والعنف المفرط ضد المتمردين من أبرز أنواع العنف السياسي في المجتمع. ويشمل هذا المفهوم صوراً أخرى من الأنشطة العنفية مثل الحروب بين الدول، والنزاعات والصراعات الأهلية الداخلية والمواجهات العشائرية والقبلية التي تنشب بين العشائر المتجاورة، وتستخدم فيها الأسلحة النارية بين الخفيفة والمتوسطة .أو استخدام السلاح الأبيض التي يسقط فيها ضحايا من كلا الطرفين.

عادةً ما ترتبط عمليات التمرد واستخدام العنف على السلطة بمجموعة مطالب سياسية أو اجتماعية أو مظالم وقضايا قهرية تتعرض لها أقليات أو مجموعات سكانية داخل الحدود الجغرافية للدولة ، أو حتى مجرد التنافس على الاستيلاء على الحكم بالقوة دون اللجوء إلى التداول السلمي للسلطة ، وفي هذه الحالات فإنها تتحول إلى نوع من أنواع الحروب الأهلية التي تتصف بأنها دموية ومدمرة والتي تستمر طويلاً. ولا يمكن التخلص من عقابيلها واستطالاتها بسهولة . وتستخدم فيها كل أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وتنتهي غالباً إما بإخماد التمرد وقمع المتمردين وإعادة فرض الأمن والأمان والاستقرار بالقوة المسلحة والتي ينتج عنها أعداد كبيرة من الضحايا مثلما جرى في سورية واليمن وليبيا والعراق ولبنان، أو في حالاتٍ نادرة حيث نجح المتمردين في هزيمة الجيش الحكومي ، وإحلال سلطة حاكمة بديلة في البلاد مثلما حدث في عدة دول إفريقية مثل ليبيريا وإثيوبيا وأوغندا في عهد الجنرال مانغستو هيلا مريام، ومؤخراً في غينيا.
فقد قال قائد الإنقلاب في غينيا إن حكومة جديدة ستشكل في غضون أسابيع للإشراف على انتقال السلطة.وقال الكولونيل مامادي دومبويا، قائد الانقلاب، إنه لن تكون هناك مطاردات لأعضاء السلطة السابقة .
وفي مثل هذه الحالة ينتهي التمرد المسلح بتوقيع معاهدات سلام وتنتهي دورة العنف ويحل السلام.
وفي المقابل فإن النزاعات العشائرية والقبلية تستند إلى مجموعة مختلفة من الأسباب والدواعي الباعثة على التمرد واستخدام العنف والمحفزة له. هناك مثلاً التعامل بعنصرية ومشاعر الاستعلاء العرقي أو الدونية ضد الآخر ، وهذا يؤدي بدوره إلى تنامي هذه المشاعر وسط القبائل والعشائر المتجاورة إلى صدامات دامية تكون خسائرها فادحة في الأرواح والأموال والممتلكات . أيضاً تنشب الصراعات والنزاعات بسبب التنافس على الأراضي الزراعية المنتجة والمراعي الخصبة أو على الأراضي التي تحتوي على كنوز من المعادن النفيسة مثل الذهب والألماس والمعادن والثروات الهائلة . وقد يندلع الصراع بين قبيلتين على خلفية دواع فردية تافهة لا أساس لها مثل نزاع بين شخصين على قضية ثانوية خاصة ، ثم يتطور النزاع الفردي إلى مواجهة مسلحة بين قبيلتين أو عشيرتين ، ويقدم التاريخ القديم نموذجاً لهذا النوع من الحروب الدامية العبثية والموت المجاني في حرب داحس والغبراء التي امتدت نحو أربعين عاماً ، راح خلالها آلاف الضحايا من الجانبين . أما في التاريخ الحديث فإن الأمثلة لا حصر لها في المجتمعات البدائية المتخلفة والفقيرة جداً .

كما أن هناك أسباباً قهرية ظالمة تحفز على الاقتتال والعنف القبائلي والعشائري دون أن تكون لها جذور حقدٍ وكراهية قديمة أو مشاعر عنصرية تمييزية أو نزوع أناني للتوسع والسيطرة على حساب الآخر.
لقد شهدت بلداننا العربية الكثير من تلك الحروب الدموية في سورية ولبنان وليبيا والعراق … إلخ .

ففي سورية تكتنز المساحة العظمى منها تنوعاً وغنى اجتماعياً وقبلياً يسود المناطق الشمالية الشرقية والجنوبية والشرقية وبعض المناطق الوسطى، ليصبح الانتماء العشائري والقبلي أمراً واقعاً بحكم التاريخ والعادات والتقاليد والثقافة السائدة ، ولأن ثمة أعداداً كبيرة للعشائر والقبائل المترامية الأطراف والمرتبطة خارج الحدود بمثيلاتها في الدول العربية المجاورة والبعيدة، فإن لتداعيات الحرب الأخيرة في سورية وانعكاساتها فعل على التركيبة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه القبائل التي تعد جزءاً من النسيج السوري الحقيقي.
إنّ حضور العديد من زعماء ومشايخ هذه العشائر وسلطتهم القوية على القبيلة والقدرة على توجيهها كما يريدون ، وحل الخلافات التي تحصل بين القبيلة نفسها أو مع قبيلة أخرى، إلا أنّ قسم من هذه العشائر كان له دور سلبي في حمل السلاح والانخراط في الأعمال الإرهابية المسلحة ضد القوات الحكومية ،في حين كان لأغلب العشائر دور  ايجابي في القتال إلى جانب الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهابيين والدواعش التكفيريين.

ومنذ أزمان بعيدة كانت التغييرات المناخية من أقوى أسباب الهجرات البشرية بين المناطق الواسعة والبلدان . وكان القتال الدموي ينشب بين العشائر والقبائل في سبيل الحصول على الأراضي الخصبة للزراعة والرعي على حدٍ سواء .
فعندما تضرب موجات الحرارة الأرض ويعم الجفاف بعض المناطق فإنها تعرض سكانها لخطر المجاعة وتجبرهم على النزوح إلى مناطق أخرى تتوافر فيها مقومات الحياة والعيش، ومشاركة أهالي تلك المناطق في الأراضي الزراعية والمراعي الخصبة ومصادر المياه ومباشرة الحياة العامة .
من أكثر الأمثلة أمامنا ما جرى في إقليم دارفور في السودان . حيث يعتبر نموذجاً حياً ماثلاً لواحدة من ضحايا المناخ والجفاف في إفريقيا والعالم.
لم يتوقف العنف على حدود ما ذكرنا فهناك نوع آخر من العنف تمارسه جماعات الإرهاب الديني وهو عنف عابر للدول والحدود والجغرافيا السياسية، وهو نوع هجومي عنيف ودموي يستهدف السلطة الشرعية الحاكمة والمواطنين العزل على السواء، ويطرح نفسه بديلاً لكل النظم والقوانين والهياكل والإدارات والثقافات المجتمعية المستقلة القائمة ،وغير المستقلة ،هذا العنف ليس له سقف مطالب محدد، فهو مندفع وجارف ،منطلقاً من الكهوف المظلمة كخفافيش الليالي السوداء. كما أنه لا يستجيب لدعوات الحوار والنقاش وتبادل الآراء مع الآخر، أو تدخلات الوسطاء، ويعتبر الجميع أعداء دون استثناء أو تمييز . ويجب القضاء عليهم بكل وسائل العنف الدموية ومنها حرق الناس حتى الموت وهم أحياء . كما حدث للطيار الأردني معاذ صافي يوسف الكساسبة . والكساسبة طيار أردني برتبة ملازم أول وقع أسيراً بأيدي تنظيم (الدولة الإسلامية _ داعش )، صباح يوم الأربعاء 24 ديسمبر 2014، وذلك بعد سقوط طائرته الحربية من نوع إف-16 أثناء قيامها بمهمة عسكرية على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة الرقة شمالي سورية.
هؤلاء التكفيريين ينظرون إلى الغير بأنهم كفار وخارجين عن شريعتهم السوداء .لذا يطلق على ما يمارسون من عنف بالعنف الأسود .

عاجل
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لمنحك أفضل تجربة ممكنة.
موافق