نتيجة السلوك السياسي الذي اتبعه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه أوروبا . ونتيجة لإنشغال الاتحاد الأوروبي الكبير بنتائج الاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد عام 2016. وبعد حالة الجمود والإنكفاء الصعبة نتيجة جائحة كورونا. بدأت العديد من المؤشرات الجديدة تؤكد بأنَّ الاتحاد الأوروبي يعود شيئاً فشيئاً إلى الساحة الدولية ليلعب دوراً محورياً في السياسة الدولية، من أبرز مؤشرات استنهاض الدور الأوروبي،خطة الخروج من حالة الركود والتعافي الاقتصادي التي أقرها الاتحاد الأوروبي بقيمة سبعمائة وخمسون مليار دولار، وعودة العلاقات الحميمية بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وفتح خطوط التواصل بين الاتحاد الأوروبي وجمهورية الصين الشعبية،كما في المواجهة الدبلوماسية بين روسيا والاتحاد الأوروبي،والذي بدا فيه الأوروبيون يسعون للتفاوض من موقع قوة مع الكرملين في العالم. وقد ساعد في تحسين صورة الاتحاد الأوروبي وأهميته وضرورته أمام تحديات الأزمات الإقليمية، التنسيق الواسع والمتكامل بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
من الواضح تماماً أنَّ الدبلوماسية الأوروبية قد نجحت في إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة في إعادة النظر من جديد في أغلب المقاربات التي اعتمدتها الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترامب،لاسيما في موضوع الضرائب الجمركية،والرسوم الكبيرة التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب عليها،وكان الرد الأوروبي قوياً بالمثل، وشملت سلعاً أساسية وهامة، بما فيها مواد الصناعات التجميلية والزراعية والصلب والحديد ، وقد أسهمت هذه الضرائب في تقليص منسوب التعاون بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ، خصوصاً في مجال الاستثمار بالصناعات الإلكترونية الذكية المتطورة جداً. ومقررات القمة السباعية التي عقدت بين قادة الاتحاد الأوروبي والرئيس الأمريكي جو بايدن في العاصمة البلجيكية بروكسل منتصف شهر حزيران الماضي، كانت واضحة جداً من جهة تأكيد الاتفاق على تقليص الإجراءات الجمركية القاسية إلى حدودها الدنيا.
لقد تنفس الأوروبيون الصعداء بعد الأسبوع المميز الذي قضاه الرئيس الأمريكي جو بايدن في الربوع الأوروبية، وتخللته لقاءات ثنائية وجماعية في غاية الأهمية، كان أبرزها: اللقاءات التي عقدها الرئيس جو بايدن مع قادة بريطانيا في لندن، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنيف،واللقاء في قمة دول حلف شمال الأطلسي، والاجتماع التنسيقي مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وقمة الدول السبع الصناعية الكبرى في كورنوال. كل تلك اللقاءات والقمم أعطت دفعاً قوياً لمكانة أوروبا كقارة حيوية،ودحضت فكرة كونها القارة العجوز.إضافة إلى تلك القمم وتلك اللقاءات تم عقد قمة عبر الفيديو في 6 تموز بين الرئيس الصيني شي جين بينج من جهة، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كممثلين للاتحاد الأوروبي من جهة ثانية،وكان لتلك القمة وقع كبير في مسيرة استعادة النهوض الأوروبي من جديد ، فقد أكدت أن الاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاص وأوروبا بشكلٍ عام ليستا طرفاً تابعاً في الصراع التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتمَّ فيها الاتفاق على تطوير التعاون المشترك بين البلدين ، باعتبار جمهورية الصين الشعبية أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي.
لقد تابعنا جميعاً قوة الاندفاعة الأوروبية الجديدة، وطريقة إدارة المفاوضات بين روسيا والاتحاد الأوروبي ، حيث نجحت العاصمة البلجيكية بروكسل في توحيد الموقف الأوروبي تجاه جمهورية روسيا الاتحادية ، ومنعت الاختراق الكبير الذي عملت عليه ألمانيا في حماستها لعقد اجتماع قمة بين قادة الاتحاد الأوروبي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان موقف الاتحاد الأوروبي موحداً لجهة رفض عقد هذه القمة قبل موافقة القيادة الروسية في الكريملين على بعض المطالب الأوروبية، ومنها إعادة النظر من جديد بالحكم على المعارض الروسي ألكيسي نافالني،وأيضاً التفاوض من جديد حول الموقف من جزيرة القرم التي كانت تحت سيطرة أوكرانيا والتي ضمتها روسيا عام 2014. فعلى الرغم من وجود بعض القضايا العالقة إلا أنَّ الدبلوماسية الألمانية نجحت بقوة في توفير غطاء قوي وواسع لإكمال العمل في خط نقل الغاز من جمهورية روسيا الاتحادية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية عبر بحر البلطيق ( نورد ستريم- 2)، على الرغم من اعتراض عدد لا بأس به من الدول الأوروبية. وتهديد الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات صارمة على الشركات التي تسهم في تنفيذ المشروع. وأدت العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى انسحاب شركة “أول سيز” السويسرية من المشروع ،ونددت ألمانيا، المستفيدة الأولى من “نورد ستريم2” بهذه العقوبات ،ومثلها الاتحاد الأوروبي.. وهذا المشروع يستهدف تشييد أكثر من 2300 كيلومتر من خط الغاز حتى الآن. وبالفعل فقد أعلنت الشركة التي تنفذ المشروع أنها ستنهي العمل به نهاية الصيف الحالي، ليكون جاهزاً لنقل 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا.
الواضح تماماً ومن خلال المؤشرات العديدة أن الاتحاد الأوروبي يحاول جاداً استعادة دوره في التأثير على ملفات المشكلات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط وفي المياه الدافئة ( شرق المتوسط ) وإفريقيا ووسط آسيا، على الرغم من التحديات الكبيرة والنوعية التي تواجه هذا الدور العالمي الهام .
أوروبا تستعيد دورها العالمي من جديد..بقلم : عماد خالد رحمة

المصدرد. شوقى الفرا، المركز الفلسطينى الاوروبى للإعلام. الكاتب