بعد أيامٍ لا تتجاوز أصابع اليد ستشهد جمهورية ألمانيا الاتحادية انتخابات جديدة .من سمة تلك الانتخابات أن السيدة أنجيلا ميركل لا محل لها في البرلمان ،لأنها ستذهب إلى التقاعد بعد خدمة ألمانيا والشعب الألماني لأكثر من ستة عشر عاماً قضتها في العمل الجاد المثمر ، لكنها ستبقى مستشارة لجمهورية ألمانيا الاتحادية حتى تتشكل الحكومة الجديدة، وهو أمر يستغرق بضعة أسابيع على الأقل، إن لم يكن شهوراً طوال ،هذه هي ألمانيا وليست أي بلدٍ آخر . هناك بلدان استمر وما يزال يستمر الفراغ السياسي فيه لسنوات مثل لبنان ، لكن في نهاية الأمر ستتشكل حكومة جديدة في المانيا ، وسيتم الإعلان عن اسم المستشار الجديد لألمانيا الاتحادية .
لذا سيفتقد الناس هنا في ألمانيا لرؤية صور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الشاشات وفي الصحف والمجلات ،وهي تصافح الرؤساء الأوروبيين وسواهم من ملوك وأمراء وزعماء العالم، أو تقف أمام البرلمان تقدم برامج حكومتها المدجج بالأرقام والمعطيات والمعلومات الصحيحة والدقيقة والبراهين الدامغة . ليس الألمان وحدهم من سيفتقدون حضور الزعيمة الأوروبية الأشهر أنجيلا ميركل خلال أكثر من عقدٍ ونصف العقد، وإنما العالم كله. والأرجح أن الجميع سيذكرها بكل خير، بما في ذلك من اختلفوا معها من الساسة والحزبيين ، داخل ألمانيا أو خارجها.
إن من يقرأ مسيرة حياة المستشارة الألمانية أنجبلا ميركل يجدها آتية من ألمانيا الشرقية ، يوم كانت ألمانيا مقسمة إلى قسمين . شرقية وعاصمتها برلين ، وغربية عاصمتها بون ، الأولى اشتراكية والثانية رأسمالية . الجدير بالذكر أنَّ المستشارة (أنجيلا دوروتيا ميركل (: Angela Dorothea Merkel) (اسم الولادة كاسنر، مواليد 17 تموز 1954م . وكانت زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) مدة 18 سنة حتى 2018. لم يكن واضحاً عن تلك الفترة التي عاشتها السيدة ميركل في ظل النظام الاقتصادي الاإشتراكي الألماني . لكنها كانت بحق القائدة النموذجية التي استطاعت أن تمثل ألمانيا الموحدة خير تمثيل من خلال النظم والقرارات والقوانين والتشريعات الغربية . فكانت من الطراز الأول لتمثيل إدارة الحكم والسلطة من خلال نظام السلطة والإدارة والسياسة الخارجية . بما في ذلك أسلوب إدارتها لملف العلاقات الساخن والشائك مع جمهورية روسيا الاتحادية فهي،مثل غالبية الزعماء الأوروبيين أو جُلَّهم، لم تهادن (الكرملين) واستخدمت أرقى أدوات الدبلوماسية الناعمة رافضين أسلوب الدبلوماسية الخشنة مع الآخر . واستطاعت بحنكتها السياسية وما تملكه من ذكاء مفرط أن لا تنساق مع جميع عمليات التصعيد التي أجرتها الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها مع موسكو . وأبقت الخيوط ممدودة ومشدودة أحياناً ولم تذهب حد القطيعة أبداً . وقاومت الولايات المتحدة بثبات على الرغم من حجم الضغوط الهائلة عليها لقطع علاقات بلادها مع روسيا . ليس هذا فحسب بل قامت منذ يومين بزيارة إلى موسكو والتقت بالرعيم الروسي فلاديمير بوتين .
لقد انشغل الإعلام الألماني كثيراً بما ستفعله المستشارة أنجيلا ميركل بعد تقاعدها ، وماذا ستفعله في حياتها المستقبلية
،وهل ستألف حياة الهدوء والراحة بعد طول عمل مضني ، وهي المدمنة على العمل، والتي اعتادت أن تكون في قلب الحدث لا خارجه بل فاعلة فيه . ففي أثناء زيارتها للعاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن في تموز الماضي سُئلت السيدة أنجيلا ميركل عن تصورها لفترة تقاعدها، فأجابت بصراحة وهدوء تام بأنها ستتمتع بقسط من الراحة أولاً، ولن تقبل أي دعوات ، لأنها بحاجة للاستجمام والراحة ، مضيفةً أنه يجب عليها إدراك أن مهامها السابقة سيقوم بها شخص آخر . وتابعت مبتسمةً : (أعتقد أن هذا سيعجبني كثيراً).كما أكَّدت مراراً عن أنَّها بعد التقاعد ستخلد للتفكير الطويل والعميق بكل ما يثير اهتمامها )بعد ذلك، قد أحاول قراءة شيء ما، ثم أغلق عينيّ لأنني متعبة، ثم سأنام قليلاً، لنرى بعد ذلك أين سأظهر).
أنا شخصياً معجب بشخصيتها كإمرأة قائدة . ومعجب بأدائها الوظيفي ودورها لبناء وتطوير بلادها على كافة الأصعدة .